أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن سفيان الثوري قال: ما رأيت الزهد في شيء أقل منه في الرياسة، ترى الرجل يزهد في المطعم والمشرب والمال والثياب، فإذا تورع في الرياسة حامي عليها وعادي.
(٧) ومن فوائد الإخلاص أنه يقلب المباحات إلى عبادات وينال بها عالي الدرجات، قال أحد السلف: إني لأستحب أن يكون لي في كل شيء نية حتى في أكلي ونومي ودخولي الخلاء وكل ذلك مما يمكن أن يقصد به التقرب إلى الله. لأن كل ما هو سبب لبقاء البدن وفراغ القلب للمهمات مطلوب شرعاً.
فالنية عند الفقهاء: تمييز العبادات عن العادات وتمييز العبادات عن بعضها البعض، إرادة وجه الله عز و جل.
(٨) الإخلاص سبب للمغفرة الكبيرة للذنوب.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه فيغفر فيه كبائر، وإلا فأهل الكبائر كلهم يقولون لا إله إلا الله. كالبغي التي سقت كلباً فقد حضر في قلبها من الإخلاص ما لا يعلمه إلا الله فغفر الله لها.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: غُفِرَ لأمرأة مُومِسَة، مرت بكلب على رأس َرِكيٍّ، يلهث، قال: كاد يقتله العطش، فنزعت خفها، فأوثقته بخمارها، فنزعت له من الماء، فَغُفِرَ لها بذلك.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(غُفِرَ) بالبناء للمفعول بضبط المصنف أي غفر اللّه
(لامرأة مُومِسَة) بضم الميم الأولى وكسر الثانية بضبطه
(مرت بكلب على رأس َرِكيٍّ) بفتح الراي وكسر الكاف وشد التحتية بئر
(يلهث) أي يخرج لسانه من شدة الظمأ
(كاد يقتله العطش) لشدته وفي رواية يأكل الثرى من العطش أي التراب الندي
(فنزعت خفها) من رجلها
(فأوثقته) أي شدته
(بخمارها) بكسر الخاء أي بغطاء رأسها والخمار ككتاب ما يغطى به الرأس
(فنزعت) جذبت وقلعت
(له من الماء) أي بالبئر فسقته