للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبهائم تشارك الإنسان في النوعين الاضطراريين ولكن الصبر الاختياري هو الذي يميز الإنسان عن البهيمة، ولهذا كان الاختيارى أكمل من الاضطرارى، فإن الاضطرارى يشترك فيه الناس و يتأتى ممن لا يتأتى منه الصبر الاختيارى ولذلك كان صبر يوسف - عليه السلام - عن مطاوعة امرأة العزيز أعظم من صبره على ما ناله من إخوته لما ألقوه في الجب.

[*] قال رجل من أهل الحكمة: ما غلبني رجل كما غلبني شاب من مرو، قال لي مرة ما الصبر، قلت: إن وجدنا أكلنا وإن فقدنا صبرنا، قال: هذا ما تفعله كلاب مرو عندنا!، قلت فما الصبر عندكم؟ قال: إن فقدنا صبرنا وإن وجدنا آثرنا وأعطينا لغيرنا.

(وعلى ذلك هناك صبر تشارك فيه البهائم الإنسان ولكن هناك صبر يتفوق به المسلم الإنسان على البهيمة والدابة، وقد تجد من الكفار من يصبر على المصائب ويتجلد ولا ينهار ولكن لا يرجو من وراء ذلك جزاء من عند ربه ولا أجراً يوم القيامة ..

وكذلك فإن الصبر متعلق بالتكليف لأن الله ابتلى العباد بواجبات لابد أن يفعلوها ومحرمات لابد أن يتركوها، وأقدار لابد أن يصبروا عليها، فلا يقعوا في الجزع والتسخط و شكوى الخالق إلى المخلوقين.

فالإنسان لا يستغنى عن الصبر في حال من الأحوال لأنه يتقلب بين أمر يجب عليه امتثاله وتنفيذه، ونهي يجب عليه اجتنابه وتركه، وقدر يجرى عليه اتفاقا، ونعمة يجب شكر المنعم بها عليه وإذا كانت هذه الأحوال لا تفارقه، فالصبر لازم له إلى الممات.

وكل ما يلقى العبد في هذه الدار لا يخلو من نوعين:

أحدهما: يوافق هواه ومراده.

والآخر: يخالفه، وهو محتاج إلى الصبر في كل منهما، أما النوع الموافق لغرضه كالصحة، والجاه، والمال، فهو أحوج شيء إلى الصبر فيها من وجوه:

أحدهما: أن لا يركن إليها، ولا يغتر بها، ولا تحمله على البطر، والفرح المذموم الذي لا يحب الله أهله.

والثاني: أن لا ينهمك في نيلها.

والثالث: أن يصبر على أداء حق الله فيها.

والرابع: أن يصبر عن صرفها من الحرام، قال بعض السلف: " البلاء يصبر عليه المؤمن والكافر، ولا يصبر على العافية إلا الصديقون ".

[*] وقال عبد الرحمن بن عوف: ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر!!، ولذلك يحذر الله عباده من فتنة المال، والأزواج والأولاد. فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} (المنافقون: من الآية ٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>