للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البكاء على الميت على وجه الرحمة حسنٌ مستحبٌّ و ذلك لا ينافي الرضا، بخلاف البكاء عليه لفوات حظه منه .. و بهذا يُعْرَف قوله صلى الله عليه و سلم لما بكى على الميت: إنها رحمة كما في الحديث الآتي:

(حديث أنس الثابت في الصحيحين) قال دخلنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أبي سيف القين وكان ظئرا لإبراهيم عليه السلام فأخذ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إبراهيم فقبله وشمه ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه وأنت يا رسول الله فقال يا بن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يُرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون.

{تنبيه}: ظئرا: أي زوج المرضعة وهو معنى مستعار.

وينبغي أن نفرّق؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم لما رأى ولده إبراهيم يموت بكى لماذا بكى؟ .. هل بكى رحمةً أو تأسّفاً على فقد الولد!!.، بكى رحمة بلا شك.

وإن هذا ليس كبكاء من يبكي لحظِّه إلا لرحمة الميت، فإن الفضيل بن عياض لما مات ابنه علي ضحك و قال: (رأيت أن الله قد قضى، فأحببتُ أن أرضى بما قضى الله به) .. فحاله حالٌ حسنٌ بالنسبة لأهل الجزع، و أما رحمة الميت مع الرضا بالقضاء و حمد الله على كل حالٍ كما قال صلى الله عليه و سلم فهذا أكمل ..

فإذا قيل: أيهما أكمل: النبي صلى الله عليه و سلم بكى رحمةً بالميت أو الذي من السلف ضحك؟؟!!

بكاء رحمة الميت مع حمد الله و الرضا بالقضاء أكمل، كما قال تعالى: (ثُمّ كَانَ مِنَ الّذِينَ آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِالصّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْمَرْحَمَةِ) [البلد: ١٧] فذكر الله التواصي بالصبر

والتواصي بالمرحمة ..

(والناس في الصبر أربعة أقسامٍ:

(١) منهم من يكون فيه صبرٌ بقوةٍ (ما فيه رحمة).

(٢) و منهم من يكون فيه رحمةٌ بقوةٍ (ينهار).

(٣) و منهم من يكون فيه القسوة و الجزع (جمع الشر من الطرفين).

(٤) المؤمن المحمود الذي يصبر على ما يصيبه و يرحم الناس.

(ومما يجب أن يعلم أنه لا يُسَوِّغُ في العقل و لا في الدين طلب رضا المخلوقين

بإطلاقٍ؛ لوجهين:

أحدهما: أن هذا غير ممكن، كما قال الشافعي: (رضا الناس غايةٌ لا تُدْرَك)، فعليك بالأمر الذي يصلحك فالزمه و دع ما سواه و لا تعانِه

<<  <  ج: ص:  >  >>