للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد دل الحديث على أن من فقد الحياء لم يبق ما يمنعه من فعل القبائح، فلا يتورع عن الحرام. ولا يخاف من الآثام، ولا يكف لسانه عن قبيح الكلام. ولهذا لما قل الحياء في هذا الزمان أو انعدم عند بعض الناس كثرت المنكرات، وظهرت العورات، وجاهروا بالفضائح، واستحسنوا القبائح. وقلت الغيرة على المحارم أو انعدمت عند كثير من الناس، بل صارت القبائح والرذائل عند بعض الناس فضائل، وافتخروا بها، فمنهم المطرب والملحن والمغني الماجن، ومنهم اللاعب الناعب الذي أنهك جسمه وضيّع وقته في أنواع اللعب، وأقل حياء وأشد تفاهة من هؤلاء المغنيين واللاعبين من يستمع لغوهم، أو ينظر ألعابهم، ويضيع كثيرا من أوقاته في ذلك.

(قال سلمان الفارسي - رضي الله عنه -:إن الله إذا أراد بعبده هلاكاً نزع منه الحياء، فإذ نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتاً ممقتاً. فإذا كان مقيتاً ممقتاً نزع منه الأمانة، فلم تلقه إلا خائناً مخوناً. فإذا كان خائناً مخوناً نزع منه الرحمة، فلم تلقه إلا فظاً غليظاً. فإذا كان فظاً غليظاً نزع ربقة الإيمان من عنقه، فإذا نزع ربقة الإيمان من عنقه، لم تلقه إلا شيطاناً لعيناً ملعناً.

(قال الشعبي رحمه الله تعالى:"مر عمر رضي الله عنه في طرق المدينة المنورة فسمع امرأة تقول:

ألا طال هذا الليل واسود جانبه، وأرقني ألا حبيبا ألاعبه. فوَ الله لولا الله لا شيء غيره، لزُعزِع من هذا السرير جوانبه.

مخافة ربي والحياء يكفني، وإكرام بعلي أن تنال مراكبه.

وقال عمر بعدما أتي بالمرأة: أي شيء منعك؟ قالت الحياء وإكرام عرضي.

فكتب عمر رضي الله عنه إلى صاحب زوجها فأقفله إليها".

(ولله درُّ من قال:

إذا لم تخش عاقبة الليالي، ولم تستحي فاصنع ما تشاء.

فلا والله ما في العيش خير، ولا الدنيا إذا ذهب الحياء.

يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي الحياء.

{تنبيه}: (خلق الحياء لا يمنع المسلم من أن يقول الحق، أو يطلب العلم أو يسأل عن شيءٍ لا يعلمه، أو يأمر بمعروف، أو ينهي عن منكر، فإذا أدى الحياء إلى تفويت مصلحة شرعية كان مذموماً وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد. (

<<  <  ج: ص:  >  >>