قال: أيها الناس! استحيوا من الله، فوالله ما خرجت لحاجة ـ يعني: لقضاء حاجة ـ منذ أسلمت إلا وأنا مقنع رأسي حياء من الله عز وجل. فانظر إلى نفسك وأنت في هذه الحال، تحمل أمعاءك الغليظة ودورة المياه، فأنت كنيف متحرك، أفلا تستحي من الله عز وجل أن تعصيه، فقد خلقك من ماء مهين فاستحي منه، فما زال يخرج منك الغائط وأنت تأنف من رائحته، هذا حياء سيدنا أبو بكر الصديق.
(حياء محمد بن سيرين رحمه الله تعالى:
(قال محمد بن سيرين رحمه الله تعالى: ما غشيت امرأة قط في يقظة ولا نوم حتى في المنام غير أم عبد الله، وإني لأرى المرأة في المنام، فأعلم أنها لا تحل لي فأصرف بصري. فهو متحكم في نفسه في المنام. فيا ليتنا في يقظتنا كابن سيرين في المنام، فهو في منامه إذا رأى المرأة لا تحل له يصرف بصره، وأنت في يقظتك أتصرف بصرك؟
وانظر إلى حياء المرأة في قوله تعالى: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ [القصص:٢٥] وكأن الأرض حياء وهي تمشي عليها. وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ليس للنساء وسط الطريق) فالنساء يمشين على جنب.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ليس للنساء وسط الطريق.
(حياء سيدتنا فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أبيها، حين جاءت تسأله خادماً فاستحيت، فقال: (ما جاء بك يا بنية؟! قالت: جئت أسلم عليك، فاستحيت من أبيها مرة واثنتين وثلاثاً، وربما أتاها وهي في مخدعها وعلي وقد أوشكا على النوم، فتدخل رأسها في المتاع حياء من أبيها رضي الله عنها).
(حياء الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين فكان كمال الحياء في النساء، تقول: كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي رضي الله عنه واضعة ثوبي، وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فكانت تتخفف من بعض ثيابها، قالت: فلما دفن عمر رضي الله عنه كنت أدخل مجموعة معدودة علي الثياب حياء من عمر رضي الله عنه بعد موته.
فهذا هو الحياء في أكمل صوره. فلا والله ما في المرء خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء.
(ولله درُّ من قال:
أنا العبد الذي كسب الذنوبا ... وصدته المعاصي أن يتوبا
أنا العبد الذي أضحى حزيناً ... على زلاته قلقاً كئيبا
أنا العبد الذي سطرت عليه ... صحائف لم يخف فيها الرقيبا
أنا العبد المسيء عصيت سراً ... فمالي الآن لا أبدي النحيبا