وهذا صريح في أن الصدق في الأعمال الظاهرة والباطنة وأنه هو الإيمان والإسلام. وأخبر سبحانه وتعالى أنه في يوم القيامة لا ينفع العبد وينجيه من عذاب الله إلا صدقه، قال تعالى:(هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[المائدة:١١٩].
وعقد البخاري رحمه الله تعالى في كتابه الجامع الصحيح باباً بعنوان: باب قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:١١٩] وما ينهى عن الكذب.
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:
ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الصدق
«وهي منزلة القوم الأعظم الذي منه تنشأ جميع منازل السالكين»«والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين» وبه تميز أهل النفاق من أهل الإيمان وسكان الجنان من أهل النيران وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه ولا واجه باطلا إلا أرْدَاه وَصَرَعَه، من صال به لم ترد صولته ومن نطق به علت على الخصوم كلمته، فهو روح الأعمال وَمَحَكُ الأحوال والحامل على اقتحام الأهوال والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال، «وهو أساس بناء الدين وعمود فسطاط اليقين» ودرجته تالية لدرجة النبوة التي هي أرفع درجات العالمين ومن مساكنهم في الجنات: تجري العيون والأنهار إلى مساكن الصديقين كما كان من قلوبهم إلى قلوبهم في هذه الدار مدد متصل ومعين.
(وقد أمر الله سبحانه أهل الإيمان أن يكونوا مع الصادقين: وخص المنعم عليهم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}[التوبة: ١١٩] وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ}[النساء: ٦٩]«فهم الرفيق الأعلى وحسن أولئك رفيقا» ولا يزال الله يمدهم بأنعمه وألطافه ومزيده إحسانا منه وتوفيقا، ولهم مرتبة المعية مع الله فإن الله مع الصادقين ولهم منزلة القرب منه إذ درجتهم منه ثاني درجة النبيين.