(وأما حديث سهل بن سعد، فإن امرأة جاءت وأهدت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بردة، وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرد الهدية؛ بل يقبل الهدية ويثيب عليها صلوات الله وسلامه عليه، وهذا من كرمه وحسن خلقه، فتقدم رجل إليه، فقال: ما أحسن هذا، طلبها من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففعل الرسول عليه الصلاة والسلام، خلعها وطواها، وأعطاه إياها.
فقيل للرجل: كيف تطلبها من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنت تعلم أنه لا يرد سائلاً؟ فقال: والله ما طلبتها لألبسها، ولكن لتكون كفني رضي الله عنه، فأبقاها عنده فصارت كفنه، ففي هذا إيثار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على نفسه؛ لأنه آثر بها هذا الرجل مع أن الذي يظهر أنه في حاجة لها.
(وأما قصة أبي طلحة وتصدقه بِبَيْرُحاء فقد ضرب أروع المثل في امتثال قوله تعالى (لَن تَنَالُواْ الْبِرّ حَتّىَ تُنْفِقُواْ مِمّا تُحِبّونَ).
((أهم الأسباب التي تعين على الإيثار:
(١) الرغبة في مكارم الأخلاق، والتنزه عن سيئها، إذ بحسب رغبة الإنسان في مكارم الأخلاق يكون إيثاره؛ لأن الإيثار أفضل مكارم الأخلاق.
(٢) بُغض الشُّحِّ، فمن أبغض الشُّحَّ علم ألا خلاص له منه إلا بالجود والإيثار.
(٣) تعظيم الحقوق، فمتى عظمت الحقوق عند امرئٍ قام بحقها ورعاها حق رعايتها، وأيقن أنه إن لم يبلغ رتبة الإيثار لم يؤد الحقوق كما ينبغي فيحتاط لذلك بالإيثار.
(٤) العزوف عن الدنيا، والإقبال على الآخرة، فمن عظمت في عينه الآخرة هان عليه أمر الدنيا، وعلم أن ما يعطيه في الدنيا يُعطاه يوم القيامة أحوج ما يكون إليه.
(٥) توطين النفس على تحمل الشدائد والصعاب،
فإن ذلك مما يعين على الإيثار، إذ قد يترتب على الإيثار قلة ذات اليد وضيق الحال أحيانًا، فما لم يكن العبد موطنًا نفسه على التحمل لم يطق أن يعطي مع حاجته.
((أقسام الإيثار:
الإيثار ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ممنوع، والثاني: مكروه أو مباح، والثالث: مباح.
(القسم الأول (الممنوع):
فهو أن تؤثر غيرك بما يجب عليك شرعاً فإنه لا يجوز أن تقدم غيرك فيما يجب عليك شرعاً.