للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إنه أصبح فغدا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره الرسول عليه الصلاة والسلام أن الله قد عجب من صنيعهما تلك الليلة، والعجب هنا عجب استحسان، استحسن عز وجل صنيعهما من تلك الليلة لما يشتمل عليه من الفوائد العظيمة.

(وفي هذا الحديث من الفوائد ما يلي:

أولاً: بيان حال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما هو عليه من شظف العيش وقلة ذات اليد، مع أنه عليه الصلاة والسلام أكرم الخلق على الله، ولو كانت الدنيا تساوي عند الله شيئاً؛ لكان أبر الناس بها وأحقهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنها لا تساوي شيئاً.

قال ابن القيم رحمه الله:

لو ساوت الدنيا جناح بعوضة ... لم يسق منها الرب ذا الكفران

لكنها والله أحقر عنده ... من ذا الجناح القاصر الطيران

أحقر من جناح البعوضة عند الله؛ فليست بشيء.

ومنها: حسن أدب الصحابة مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن هذا الأنصاري رضي الله عنه قال لزوجته: ((أكرمي ضيف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)) ولم يقل أكرمي ضيفنا مع أن الذي أضافه في الحقيقة هو هذا الرجل، لكنه أضافه نيابة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فجعله ضيفاً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ومنها: إنه يجوز عرض الضيافة على الناس، ولا يعد هذا من المسالة المذمومة، أولاً لأنه لم يعين، فلم يقل: يا فلان ضيف هذا الرجل حتى نقول: إنه أحرجه، وإنما هو على سبيل العموم، فيجوز للإنسان مثلاً إذا نزل به ضيف وكان مشغولاً، أو ليس عنده ما يضيفه به، أن يقول لمن حوله: من مضيف هذا الرجل؟ ولا حرج في ذلك

ومنها: الإيثار العظيم من هذا الرجل الأنصاري، حيث بات هو وزوجته وصبيته من غير عشاء إكراماً لهذا الضيف الذي نزل ضيفاً على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ومنها: أنه ينبغي للإنسان ألا يُري ضيفه أنه مانّ عليه، أو أن الضيف مضيق عليه، ومحرج له؛ لأن الرجل أمر بإطفاء المصباح حتى لا يظن الضيف أنه ضيق عليهم وحرمهم العشاء، وهذا مأخوذ من أدب الخليل إبراهيم عليه السلام حين نزلت به الملائكة ضيوفاً (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) (الذريات:٢٦)، حينئذٍ، لكنه راغ إلى أهله، أي ذهب بسرعة وخفية لئلا يخجل الضيف.

ومنها: أنه يجوز للإنسان أن يؤثر الضيف ونحوه على عائلته.

<<  <  ج: ص:  >  >>