للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلأجلِ هذه الصفات العظيمة وغيرِها يُرجى ربُّنا ويُدعى، ويسأله من في السموات والأرض حاجاتِهم باختلاف لغاتِهم فما أعظمَ شأنَ الدعاء، وما أجلَّ آثارَه.

فالدعاء من أعظم العبادات، فيه يتجلى الإخلاص والخشوع، ويظهر صدق الإيمان, وتتمحص القلوب, وهو المقياس الحقيقي للتوحيد، ففي كلامٍ لشيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: إذا أردت أن تعرف صدق توحيدك فانظر في دعائك.

(٤) الدعاء أكرم شيء على الله:

(حديث أبي هريرة في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ليس شيء أكرم على الله من الدعاء.

[*] قال في تُحْفَةُ الأحوذي بشرح جامع الترمذي: لأنَّ فِيهِ إظْهَارَ الفَقْرِ والعَجْزِ والتَّذلُّلِِ والاعْتَرَافِ بِقِوَةِ الله وقُدْرَتِهِ ٠

[*] وقال العلماء: اِحْتَلَّ الدعاء تلك المنزلة العظيمة والمكانة الكريمة لِدَلاَلَتِهِ على قُدْرَةِ الله تعالى الغَنِيِّ الجَوَادِ الكَرِيمِ وعَجْزِ الدَّاعِي الفَقِيرِ إلى الله تَعَالَى (١)

اَلْدُّعَاء مِنْ أعْظَمِ أنْوَاعِ اَلْعِبَادَاتِ:

[*] قال ابن رَجَبٍ: اعلم أن سُؤالَ الله عَزَّ وجَلَّ دُونَ خَلْقِهِ هو اِلْمُتَعَيِنُ، لأن السؤال فيه إظهار الذُلِّ من السائل والمَسْكَنَةِ والحَاجَةِ والافْتِقَارِ، وفيه الاعتراف بِقُدْرَةِ المَسْؤولِ على رَفْعِ هذا الضُّرِّ ونَيْلِ المطلوب، وجَلْبِ المَنَافِعِ ودَرْءِ المَضَارِ، ولا يَصْلُحُ الذُلُّ والافْتِقَارُ إلا لله وحده لأنه حقيقة العبادة (٢)

[*] قال الشوكاني في هذا الحديث: قيل وجه ذلك أنه يدل على قدرة الله_تعالى_ وعجز الداعي.

والأولى أن يقال: أن الدعاء لمَّا كان هو العبادة، كان أكرم على الله من هذه الحيثية؛ لأن العبادة هي التي خلق الله _سبحانه_ الخلق لها، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ) [سورة: الذاريات - الأية: ٥٦]

(ولمّا كان الدّعاءُ هو العِبادة فإنّه لا يكون إلا لله وحدَه، فلا يُدعَى من دون الله ملكٌ مقرَّب، ولا نبيّ مرسَل، ولا وليّ ولا جنّيّ، قال الله تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) [الجن /١٨]

،


(١) أنظر فيض القدير الحديث رقم ٧٦٠٢، ج ٥، ص ٤٤٣ ٠
(٢) أنظر جامع العلوم والحكم (ص١٨٠، ١٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>