للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا الحديث أدب من آداب الدعاء، وهو أن يلازم الطلب، ولا ييأس من الإجابة؛ لما في ذلك من الانقياد، والاستسلام، وإظهار الافتقار. (١)

[*] قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ومن الآفات التي تمنع أثر الدعاء عليه أن يستعجل العبد، ويستبطئ الإجابة، فيستحسر، ويدع الدعاء.

وهو بمنزلة من بذر بذرًا، أو غرس غرسًا، فجعل يتعاهده، ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله. (٢)

فلا تستبطئ الإجابة وألِحَّ على الله في المسألة، فالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكث يدعو على رعل وذكوان شهراً، وربك حييّ كريم يستحي من عبده إذا رفع يده إليه، أن يردها صفراً، فادع وَرَبُّكَ الأَكْرَم، وألق نفسك بين يديه، وسلّم الأمر كله إليه، واعزم المسألة، وأعظم الرغبة فما رَدَّ سائله، ولا خاب طالبه، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالخلق لم تسدَّ فاقته، ومن أنزلها بالرب فنِعْم الرزاق هو، فلازم الطلب فالمعطي كريم، والكاشف قدير، ولا تستعجل الإجابة إذا دعوت، ولا تستبطئها إذا تأخَّرت، ومن يُكثر قرع الأبواب يوشك أن يفتح له.

وهذا موسى عليه السلام وقف داعياً يقول: (رَبَّنَا إِنَّكَ ءاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِى الْحياةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ) [يونس / ٨٨]

وأخوه هارون عليه السلام يؤمن على الدعاء، فاستجاب الله دعاءهما وقال سبحانه: (قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا) [يونس / ٨٩]

[*] قال العلماء: كان بين الدعاء والإجابة أربعون سنة.

(فعلى المؤمن أن يدعو الله، وأن يلح على الله في الدعاء، ولا يعجل في الإجابة، وينتظر الفرج من الله، وكما قال الشاعر اليمني الموحد في قصيدته التي سماها الجوهرة:

لطائف الله وإن طال المدى ... كلمح الطرف إذا الطرف سجى

كم فَرَج بعد إياس أتى ... وكم إياس قد أتى بعد النوى

[*] قال مُورِّقٌ العجلي: ((ما امتلأت غضباً قط، ولقد سألت الله حاجة منذ عشرين سنة فما شفعني فيها وما سئمت من الدعاء)) [نزهة الفضلاء ص ٣٩٨].

(٦) الدعاء بالخير: فحتى يكون الدعاء مقبولاً عند الله _ فلا بد أن يكون في الخير بعيدًا عن الإثم وقطيعة الرحم.


(١) فتح الباري ١١/ ١٤١.
(٢) الجواب الكافي ص١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>