للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس المقصود بهذا أن يغتر العبد أو يعجب بنفسه ويتكبر، إنما المقصود أن يعلم أنه في الخليقة شيء آخر لا يشبهه أحد، فيحرص على أن يرفع قيمته، ويغلي ثمنه بعمله الصالح، وبعلمه ونبوغه، واطلاعه ومثابرته وبحثه وتثقيف عقله، وصقل ذهنه، وإشعال الطموح في روحه، والنبل في نفسه؛ لتكون قيمته عالية وغالية.

فيا أيها الحبيب، يا من أسجد الله لك ملائكته بالأمس، وجعلهم اليوم في خدمتك، كم من ملك في السماوات ما ذاقوا غمضا ليس لهم رتبة: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع). كم من ملك في السماوات ما ذاقوا طعاما ولا شرابا ليس لهم شرف: "ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ". الملائكة تصلي عليك ما استقمت، وحملة العرش يستغفرون لك، يا هذا فتش عن نفسك، واعرف قدرها تسم بهمتك إلى العظيم.

(٧) الدعاء:

وإنما جعلناه خاتمة الأسباب التي نتحدث عنها في هذا المقال لأنه الباب الأوسع والأقرب للفوز بأنواع الخيرات، وهو باب لا منازع فيه، فإنه ليس شيء أكرم على الله من الدعاء، وإن أعجز الناس من عجز عن الدعاء بنص السنة الصحيحة:

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن أبخل الناس من بخل بالسلام وأعجز الناس من عجز عن الدعاء.

(حديث أبي هريرة في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ليس شيء أكرم على الله من الدعاء.

فادخل على مولاك من باب الذل والافتقار، وناجه:

إلهي وسيدي ومولاي، أنت أصلحت الصالحين وأعليت هممهم فاجعلنا منهم وألحقنا بهم في عليين.

[*] (ثمرات الهمة العالية:

(١) قيق كثير من الأمور التي يعدها عامة الناس خيالاً يتحقق ومن أمثلة ذلك بناء أمة مؤمنة في الجزيرة العربية التي يشيع فيها الجهل والشرك وذلك في فترة وجيزة، وابن ياسين استطاع أن يقود بعصابة قليلة من أصحابه المربِّيين دولة انتصرت على جيوش الأسبان بعد استشهاده،

(٢) الوصول إلى مراتب عليا في العبادة والزهد.

قال معاذ رضي الله عنه على فراش الموت: "اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا ولا طول المكث فيها لجري (لعله لكري) الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولكن كنت أحب البقاء لمكابدة الليل الطويل وظمأ الهواجر في الحر الشديد ولمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر" ... .

(٣) البعد عن سفاسف الأمور ودناياها:

<<  <  ج: ص:  >  >>