للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن سيدنا أيوب عليه السلام نزل به من الضر ما غدا صبره عليه مضرب الأمثال، فالتجأ إلى ربه مناجيا، فكشف الله عنه ضره وأكرمه بزيادة فضل.

قال تعالى {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء:٨٣ - ٨٤].

[*] قال العلامة النسفي رحمه الله في تفسيره:

" إنما شكا إليه تلذذا بالنجوى، لا منه تضررا بالشكوى، والشكاية إليه غاية القرب كما قال تعالى (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)

[يوسف /٨٦]

، كما أن الشكاية منه غاية البعد " [تفسير النسفي ٣/ ٨٩].

وعن زكريا _ عليه السلام _ دعاءه: قال تعالى: (وَزَكَرِيّآ إِذْ نَادَىَ رَبّهُ رَبّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) [الأنبياء / ٨٩]

فأظهر -أيها الداعي- الشكوى إلى الله، والافتقار إليه، فهو جابر المنكسرين وإله المستضعفين، يقول يعقوب عليه السلام: إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى اللَّهِ [يوسف:٦٨]، فهو صاحب كل نجوى، وسامع كل شكوى، وكاشف كل بلوى، يده تعالى ملأى لا تغيضها نفقة، سحَّاء الليل والنهار، ما أُمِّل تعالى لنائبة فخيَّبها، وما رُجي لعظيم فقطعها، لا يؤمَّل لكشف الشدائد سواه، بيده مفاتيح الخزائن، بابه مفتوح لمن دعاه،

وعن موسى _ عليه السلام _ دعاءه قال تعالى: (رَبّ إِنّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص / ٢٤]

[*] قال ابن المبارك: قدمت المدينة في عام شديد القحط، فخرج الناس يستسقون، فخرجت معهم، إذ أقبل غلام أسود، عليه قطعتا خيش، قم اتَّزر بإحداهما، وألقى الأخرى على عاتقه، فجلس إلى جنبي، فسمعته يقول: إلهي أخْلَقَتِ الوجوهَ عندك كثرةُ الذنوب، ومساوىء الأعمال، وقد حَبَسْتَ عنا غيث السماء؛ لتؤدب عبادك بذلك، فأسألك يا حليمًا ذا أناة، يا من لا يعرف عباده منه إلا الجميل _ أن تسقيهم الساعةَ الساعةَ، فلم يزل يقول: الساعة الساعة حتى اكتست السماء بالغمام، وأقبل المطر من كل جانب. (١)


(١) إحياء علوم الدين، ١/ ٣٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>