للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله [لا يلج] من الولوج أي لا يدخل [رجل بكى من خشيه الله] فإن الغالب من الخشية امتثال الطاعة واجتناب المعصية [حتى يعود اللبن في الضرع]

هذا من باب التعليق بالمحال كقوله تعالى: (حَتّىَ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) [الأعراف / ٤٠]

(حديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله.

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي:

[عينان لا تمسهما النار] أي لا تمس صاحبهما فعبر بالجزء عن الجملة وعبر بالمس إشارة إلى امتناع ما فوقه بالأولى [عين بكت من خشيه الله] وهى مرتبه المجاهدين مع النفس التائبين عن المعصية سواء كان عالماً أو غير عالم [وعين باتت تحرس في سبيل الله] وهى مرتبة المجاهدين في العبادة وهى شاملة لأن تكون في الحج أو طلب العلم أو الجهاد أو العبادة والأظهر أن المراد به الحارس للمجاهدين لحفظهم عن الكفار.

(حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلا قول الله عز وجل في إبراهيم! < رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني >! وقال عيسى عليه السلام! < إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم >! فرفع يديه وقال اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله عز وجل يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله ما يبكيك فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما قال وهو أعلم فقال الله يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك.

(نماذج من بكاء السلف:

[*] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: لأن أدمع دمعه من خشيه الله عز وجل أحب إلى من أن أتصدق بألف دينار.

[*] كان ابن عمر إذا قرأ: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} بكى حتى يغلبه البكاء.

[*] قال حماد بن زيد: رأيت ثابتا يبكي حتى تختلف أضلاعه.

[*] وقال جعفر بن سليمان: بكى ثابت البناني حتى كادت عينه تذهب، فجاؤوا برجل يعالجها، فقال: أعالجها على أن تطيعني. قال: وأي شيء؟ قال: على أن لا تبكي.، فقال: فما خيرهما إذا لم يبكيا، وأبى أن يتعالج.

وقرأ ثابت: {تطلع على الأفئدة} قال تأكله إلى فؤاده وهو حي لقد تبلغ فيهم العذاب ثم بكى وأبكى من حوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>