للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن كان في نفسه غير صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثمَّ مانعٌ من الإجابة _ لم يحصل الأثر. (١)

(١٠) الصبر وعدم الاستعجال:

فلا ينبغي للعبد أن يستعجل الإجابة إذا دعا، وألا يستبطئ الإجابة إذا تأخرت؛ فإن الاستعجال من الآفات التي تمنع أثر الدعاء.

(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: يستجاب أحدكم ما لم يعجل، يقول دعوت فلم يُستَجِبْ لي.

[*] قال ابن حجر رحمه الله تعالى: "وفي هذا الحديث أدب من آداب الدعاء، وهو أن يلازم الطلب، ولا ييأس من الإجابة؛ لما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار" (٢) -

[*] وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:

"ومن الآفات التي تمنع أثر الدعاء أن يتعجل العبد ويستبطئ الإجابة فيستحسر ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذراً أو غرس غرساً فجعل يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله" (٣).

ومعنى يستحسر: ينقطع.

فلا تستبطئ الإجابة وألِحَّ على الله في المسألة، فالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكث يدعو على رعل وذكوان شهراً، وربك حييّ كريم يستحي من عبده إذا رفع يده إليه، أن يردها صفراً، فادع وَرَبُّكَ الأَكْرَم، وألق نفسك بين يديه، وسلّم الأمر كله إليه، واعزم المسألة، وأعظم الرغبة فما رَدَّ سائله، ولا خاب طالبه، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالخلق لم تسدَّ فاقته، ومن أنزلها بالرب فنِعْم الرزاق هو، فلازم الطلب فالمعطي كريم، والكاشف قدير، ولا تستعجل الإجابة إذا دعوت، ولا تستبطئها إذا تأخَّرت، ومن يُكثر قرع الأبواب يوشك أن يفتح له.

ولله درُّ من قال:

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا

إن الأمور إذا انسدت مسالكها ... فالصبر يفتح منا كل ما ارتجا

لا تيأسن وإن طالت مطالبة ... إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا

[*] قال ابن القيم رحمه الله:

"قلت: إذا اجتمع عليه قلبه وصدقت ضرورته وفاقته وقوي رجاؤه فلا يكاد يرد دعاؤه". وصدق رحمه الله أليس أرحم الراحمين هو القائل: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاء الأرْضِ أَءلَاهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ) (٤).


(١) الجواب الكافي ص١٤.
(٢) - الفتح (١١/ ١٤١)
(٣) - الجواب الكافي (ص ١٠)
(٤) - النمل:٦٢

<<  <  ج: ص:  >  >>