للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكن في دعائك راجياً عفو ربك، طالباً مغفرته، راغباً في جنته ونعيمه، طامعاً في عطائه وغناه فهو سبحانه يستحي أن يرد عبده خائباً إذا سأله.

(ولكنها لا تدل أحيانًا على ذلك؛ فقد تكون استدراجًا، أو لحكمة كما قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ الّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لاُوتَيَنّ مَالاً وَوَلَداً * أَطّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتّخَذَ عِندَ الرّحْمََنِ عَهْداً * قال تعالى: (كَلاّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً)

[مريم ٧٧: ٨٠]

(وَمِنْ قَبْلُ استجاب الله تعالى دعاء الشيطان.

قال تعالى: (قَالَ رَبّ فَأَنظِرْنِي إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَىَ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [الحجر ٣٦: ٣٨]

فكونه _ عز وجل _ أجاب إبليس سؤله، وأنظره إلى يوم القيامة _ ليس ذلك إكرامًا لإبليس، بل إهانة له؛ ليزداد إثمًا فتعظم عقوبته، ويتضاعف شقاؤه وعذابه، إضافة إلى ذلك فإن الله _ عز وجل _ جعله مَحكًّا يتميز به الخبيث من الطيب، وما دام أن الخلق مستمر إلى يوم القيامة _ فإن هذا يقتضي بقاءه ببقاء خلق البشر والله أعلم. (١)

(كذلك عدم استجابة الدعاء لا تدل على فساد الداعي في كل الأحوال؛ فهناك سؤال منعه الله نبينا محمدًا"قال _ عليه الصلاة والسلام _:=سألت ربي ثلاثًا فأعطاني ثنتين، ومنعني واحدة، سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسَّنة فأعطانيها، وسألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها. (٢)

فالله _ عز وجل _ منع نبيه محمدًا"الدعوة الثالثة، وليس ذلك دليلاً على أن الرسول"لا مكانة له عند ربه، أو أنه غير مستجاب الدعوة، بل هو سيد البشر، ودعاؤه مستجاب، ولكن الله _ عز وجل _ منعه تلك الدعوة لحكم عظيمة؛ منها أن يُعْلَمَ أن الرسول"بشر، ليس له من الأمر شيء، وأن الأمر كله لله، بيده الضر والنفع، والعطاء والنفع.


(١) انظر: شفاء العليل لابن القيم، ص٣٦٤_٤١٢ و ٤٤٥_٤٦٠، وطريق الهجرتين لابن القيم، ص١٨١_١٨٣، ومقدمة مفتاح دار السعادة، ص٣ فما بعدها، والفوائد لابن القيم، ص١٣٦_١٤٠، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز، ص٢٥٢_٢٥٦، والذكر والدعاء للقحطاني، ص١١٩_١٢١.
(٢) رواه مسلم (٢٨٩٠) الفتن وأشراط الساعة، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض.

<<  <  ج: ص:  >  >>