وفراسة المتفرس تتعلق بثلاثة أشياء: بعينه وأذنه وقلبه فعينه للسيماء والعلامات وأذنه: للكلام وتصريحه وتعريضه ومنطوقه ومفهومه وفحواه وإشاراته ولحنه وإيمائه ونحو ذلك وقلبه للعبور: والاستدلال من المنظور والمسموع إلى باطنه وخفيه فيعبر إلى ما وراء ظاهره كعبور النقاد من ظاهر النقش والسكة إلى باطن النقد والاطلاع عليه: هل هو صحيح أو زغل وكذلك عبور المتفرس من ظاهر الهيئة والدل إلى باطن الروح والقلب فنسبة نقده للأرواح من الأشباح كنسبة نقد الصيرفي ينظر للجوهر من ظاهر السكة والنقد وكذلك نقد أهل الحديث فإنه يمر إسناد ظاهر كالشمس على متن مكذوب فيخرجه ناقدهم كما يخرج الصيرفي الزغل من تحت الظاهر من الفضة، وكذلك فراسة التمييز بين الصادق والكاذب في أقواله وأفعاله وأحواله، وللفراسة سببان أحدهما:«جودة ذهن المتفرس وحدة قلبه وحسن فطنته».
والثاني:«ظهور العلامات والأدلة على المتفرس فيه» فإذا اجتمع السببان لم تكد تخطىء للعبد فراسة وإذا انتفيا لم تكد تصح له فراسة وإذا قوي أحدهما وضعف الآخر: كانت فراسته بين بين