للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا علم العبد أن المكروه قد يأتي بالمحبوب، وأن المحبوب قد يأتي بالمكروه _ لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة، ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة؛ فإن الله يعلم ما لا يعلمه العبد.

وما أجمل قول من قال:

كم نعمةٍ لا تستقلُّ بشكرها ... لله في طيِّ المكاره كامنه (١)

ومن قال:

تجري الأمور على حكم القضاء وفي ... طيِّ الحوادث محبوب ومكروه

وربما سرني ما كنت أحذره ... وربما ساءني ما كنت أرجوه (٢)

[*] قال سفيان بن عيينه:

ما يكره العبد خير له مما يحب؛ لأن ما يكرهه يهيجه للدعاء، وما يحبه يلهيه. (٣)

[*] وقال ابن ناصر الدين الدمشقي:

إذا اشتدت البوى تحَفَّفْ بالرضا ... عن الله قد فاز الرَّضيُّ المراقبُ

وكم نعمةٍ مقرونة ببلية ... على الناس تخفى والبلايا مواهب (٤)

(١٠) تأخر الإجابة سبب لتفقد العبد لنفسه:

فقد يكون امتناع الإجابة لآفة في الداعي؛ فربما كان في مطعومه شبهة، أو في قلبه وقت الدعاء غفلة، أو كان متلبسًا بذنوب مانعة.

[*] وسُئِلَ إبراهيم بن أدهم -رحمه الله-: ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟

فقال: لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء: عرفتم الله فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول ولم تتبعوا سنته، وعرفتم القرآن ولم تعملوا به، وأكلتم نِعَم الله ولم تؤدوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها، وعرفتم النار ولم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان ولم تحاربوه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الأموات ولم تعتبروا بها، وانتبهتم من نومكم فاشتغلتم بعيوب الناس وتركتم عيوبكم.

وتأخر الإجابة قد يبعث الداعي إلى تفقد نفسه، والنظر في حاله مع ربه، فيحصل له من جراء ذلك المحاسبةُ، والتوبةُ، والأوبةُ.

ولو عجلت له دعوته لربما غفل عن نفسه، فظن أنه على خير وهدى، فأهلكه العجب، وفاتته هذه الفائدة.

(١١) قد تكون الدعوة مستجابة دون علم الداعي:


(١) جنة الرضا في التسليم لما قدر الله وقضى للغرناطي، تحقيق د. صلاح جرار ٣/ ٥٢.
(٢) جنة الرضا في التسليم لما قدر الله وقضى للغرناطي، تحقيق د. صلاح جرار ٣/ ٥٢.
(٣) الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا ص٢٢.
(٤) برد الأكباد عند فقد الأولاد لابن ناصر الدين الدمشقي ص٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>