وعند أبي نُعيم في الحلية عن أبي سعيد الأزدي ـ وكان إماماً من أئمة الأزد ـ قال: رأيت علياً رضي الله عنه أتى السوق وقال: من عند قميص صالح بثلاثة دراهم؟ فقال رجل: عندي، فجاء به فأعجبه قال: لعلَّه خير من ذلك، قال: لا، ذاك ثمنه؛ قال: فرأيت علياً يقرِض رباط الدراهم من ثوبه، فأعطاه فلبسه، فإذا هو يفضل عن أطراف أصابعه، فأمر به فقُطع ما فضَل عن أطراف أصابعه. وأخرج أحمد في ازلهد عن مولى لأبي غُصعين قال: رأيت علياً خرج فأتى رجلاً من أصحاب الكرابيس، فقال له: عندك قميص سنبلاني؟ قال: فأخرج إليه قميصاً، فلبسه فإذا هو إلى نصف ساقيه، فنظر عن يمنيه وعن شماله فقال: ما أرى إلا قدراً حسناً، بكم هذا؟ قال: بأربعة دراهم يا أمير المؤمنين، قال: فحلَّها من إزاره فدفعها إليهثم انطلق. كذا في البداية.
وهاك بعض أبيات من أنفس ما قاله أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه في الزهد:
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت ... أن السعادة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها ... إلا التي كان قبل الموت بانيها
فإن بناها بخير طاب مسكنة ... وإن بناها بشر خاب بانيها
أموالنا لذوي الميراث نجمعها ... ودورنا لخراب الدهر نبنيها
أين الملوك التي كانت ... مسلطنة ... حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
فكم مدائن في الأفاق ... قد بُنيت ... أمست خرابا وأفتى الموت أهليها
لا تركنن إلى الدنيا ... وما فيها ... فالموت لاشك يفنينها ويفنيها
لكل نفس وإن كانت على ... وجلٍ ... من المنية أمال تقويها
المرء يبسطها والدهر يقبضها ... والنفس تنشرها والموت يطويها
إنما المكارم أخلاقٌ مطهرةٌ ... الدين أولها والعقل ثانيها
والعلم ثالثها والحلم رابعها ... والجود خامسها والفضل سادسها
والبر سابعها والشكر ثامنها ... والصبر تاسعها واللين باقيها
والنفس تعلم أني لا أصادقها ... ولست أرشد إلا حين اعصيها
واعمل لدارٍ غدا رضوان خازنها ... والجار أحمد والرحمن ناشيها
قصورها ذهب والمسك طينتها ... والزعفران حشيش نابت فيها
أنهارها لبن محض ومن العسل ... والخمر يجري رحيقا في مجاريها
والطير تجري على الأغصان عاكفة ... تسبح الله جهرا في مغانيها
من يشتري الدار في الفردوس يعمرها ... بركعة في الظلام الليل يحييها
من صور زهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه في طعامه: