والمراد بالهوى هنا: ما يهوى العبد من المحارم فيذكر مقامه للحسنات.
واعلم: أن من تفكر عند إقدامه على الخطيئة في نظر الحق إليه رده فكره خجلاً مما هم به، فالناس في ذلك على مراتب فمنهم من يتفكر عند جولان الهم بالذنب فيستحي من مساكنة ذلك الخاطر وهذا مقام أهل الصفا، ومنهم من قويت أسباب غفلته فهو ساكن ذلك الهم إلا أنه لا يعزم عليه، ومنهم من يعزم لقوة غفلته فهو يستسقي إقدامه فيما عزم عليه ومنهم من زاد على ذلك بمقارنته المحظور ومداناته ثم تدركه اليقظة وإنما يكون هذا على مقدار تكاثف الغفلة وقلتها فيفكر عند خاطره في عظمته من قد علم وعند يقظه في جلال من قد سمع وعند فعله في عزة من قد رأى وهذا الفكر إنما نبت عن إصرار راسخ من الإيمان في القلب راعاه الحق إليه حذار علته ومعاملة صادقة في الخلوة.
مسألة: ما هو التفسير الشرعي للغفلة عن التذكرة والسعي على جادة الهوى؟
[*](قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه المواعظ:
الغفلة عن التذكرة والسعي على جادة الهوى غشي على القلب وران عليه، فإذا هم بخطيئة أو قاربها اقتلب مراعاة الحق إليه: خذ مراعاته بحق الحق قبل ذلك كما قال تعالى: (فَلَوْلاَ أَنّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الصافات ١٤٣: ١٤٤]
وقال (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً)[الكهف: ٨٢] وكما في الحديث الآتي:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة.
فما ينفر طائر قلبه من (وسخ العزم على الذنب) ثم عام في (بحر الحياة) خجلاً مما هَمَّ به يخرج نقياً بعد الوسخ طاهراً بعد النجس لأن الأصل محفوظ بالصدق ومرهون بالإيمان، ولولا لطف الحق لكشف حجب الغفلة لبراقع الذنب غير أنه أراه برهان الهدى فرجع وأقام له هاتف التقوى فخشع، والقلوب تحن إلى ما اعتادت وألفت وتنازع إلى ما مرنت عليه وعرفت ٠
[*] (وأورد الخرائطي رحمه الله تعالى في اعتلال القلوب عن وهب بن منبه قال: «قالت امرأة العزيز ليوسف: القيطون، فادخل معي. قال: إن القيطون لا يسترني من ربي»