للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فازداد غضبا وغيظا، فقال: «خلعت نعلك بحاشية بساطي، وما قبلت يدي، ولم تسلم علي بإمرة المؤمنين، ولم تكنني وجلست بإزاي بغير إذن، وقلت: «كيف أنت يا هشام؟»

(فقال: أما قولك: «خلعت نعلي، بحاشية بساطك، فأنا أخلعها بين يدي رب العالمين كل يوم خمس مرات ولا يعاقبني ولا يغضب علي. وأما قولك: «لم تقبل يدي فإني سمعت علي بن أبي طالب قال: «لا يحل لرجل أن يقبل يد أحد، إلا امرأته بشهوة أو ولده برحمة». وأما قولك: لم تسلم بإمرة المؤمنين، فليس كل الناس راض بإمرتك، فكرهت أن أكذب. وأما قولك: «لم تكنني فإن الله تعالى سمى أولياءه وقال: يا داود، يا يحيى، يا عيسى وكني أعداءه فقال:» تَبَّت يَداَ أَبي لَهَبٍ «وأما قولك: جلست بإزائي فإني سمعت علي بن أبي طالب يقول: «إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار، انظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام»

فقال هشام: عظني؟.

قال: «سمعت علي بن أبي طالب يقول: «إن في جهنم حيات كالقلال، وعقارب كالبغال تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيته» ثم قام وخرج.

(وعن سفيان الثوري قال: «دخلت على أبي جعفر بمنى، فقال لي: ارفع حاجتك؟ فقلت له: «اتق الله! فإنك قد ملأت الأرض جورا وظلما». قال: فطأطأ رأسه، ثم رفع وقال: ارفع لنا حاجتك؟ فقلت: «إنما أنزلت هذه المنزلة بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبناؤهم يموتون جوعا، فاتق الله وأوصل إليهم حقوقهم». قال: فطأطأ رأسه ثم رفع وقال: ارفع إلينا حاجتك؟ قلت: «حج عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال لخازنه: كم أنفقت؟ قال: بضعة عشر درهما، وأرى هاهنا أمورا لا تطيق الجمال حملها».

(فهكذا كانوا يدخلون على السلاطين إذا أكرهوا فكانوا يفرون بأرواحهم في الله أعني علماء الآخرة، فأما علماء الدنيا فيدخلون ليتقربوا إلى قلوبهم، فيدلونهم على الرخص، ويستنبطون بدقائق الحيل السعة فيما يوافق أغراضهم» انتهى كلام الغزالي ملخصا.

<<  <  ج: ص:  >  >>