للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال في موضع آخر: «ينبغي للعالم أنه إذا قطع عنه معلوم المدرسة لا يترك ما كان منه من الاجتهاد ولا يتبرم، ولا يضجر لأنه قد يكون المعلوم قد قطع عنه اختبارا من الله تعالى لكي يرى صدقه في علمه وعمله، فإن رزقه مضمون له لا ينحصر في جهة غير أخرى. قال عليه الصلاة والسلام: «من طلب العلم تكفل الله برزقه» ومعناه يسره له من غير تعب ولا مشقة، وإن كان الله تعالى تكلف برزق الخلق أجمعين، لكن حكمة تخصيص العالم بالذكر أن ذلك ييسر له بلا تعب، ولا مشقة، فجعل نصيبه من التعب والمشقة في الدرس والمطالعة والتفهم للمسائل وإلقائها وذلك من الله تعالى على سبيل اللطف به والإحسان إليه وهذا من كرامات العلماء، أعني فهم المسائل وحسن إلقائها، والمعرفة بسياسة الناس في تعلمها، كما أن كرامات الأولياء فيها أشياء أخرى يطول تعدادها مثل المشي على الماء والطيران في الهواء. وينبغي له أن يصون هذا المنصب الشريف من التردد لمن يرجى أن يعين على إطلاق المعلوم، أو التحدث فيه أو إنشاء معلوم عوضه. وقد حدثني من أثق به أنه رأى بعض العلماء، وكان يدرس في مدرسة وانقطع المعلوم عنه وعن طلبته فقالوا للمدرس: لعلك أن تمشي إلى فلان! وكان من أبناء الدنيا لتجتمع به عسى أن يأمر بإطلاق المعلوم فقال: «والله إني لأستحي من ربي عز وجل أن تكذب هذه الشيبة عنده» فقالوا له: وكيف ذلك!؟ فقال: «إني أصبح كل يوم، أقول: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت» فأقول هذا وأقف بين يدي مخلوق أسأله في ذلك والله لا فعلته» والعالم أولى من يثق بربه عز وجل في المنع والعطاء، ولا عذر له في الطلب لأجل العائلة لأنه إن ترك ذلك تقية على هذا المنصب الشريف لم يضيع الله الكريم قصده وأتاه به أو فتح له من غيبه ما هو أحسن له من ذلك وأعانه وسد خلته على ما شاء، كيف شاء، وليس رزقه بمخصوص في جهة بعينها، وعادة الله أبدا المستمرة على أنه سبحانه وتعالى يرزق من هذا حاله من غير باب يقصده، أو يؤمله، لأن مراد الله تعالى من العلماء انقطاعهم إليه، وتعويلهم في كل أمورهم عليه، ولا ينظرون إلى الأسباب وإلى مسبب الأسباب ومدبرها، والقادر عليها، وكيف لا يكون العالم كذلك وهو المرشد للخلق والموضح الطريق المستقيم للسلوك إليه سبحانه، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه من حيث لا يحتسب» انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>