وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ النَّدَمَ عَلَى الذُّنُوبِ مَانِعٌ مِنْ الإقْدَامِ عَلَيْهَا، وَالتَّوْبَةَ مُكَفِّرَةٌ لِمَا سَلَفَ مِنْهَا. فَإِذَا كَفَّ عَمَّا كَانَ يَقْدُمُ عَلَيْهِ أَنْبَأَ عَنْ صِحَّةِ تَوْبَتِهِ، وَصِحَّةُ التَّوْبَةِ تَقْتَضِي قَبُولَ حَجَّتِهِ. ثُمَّ نَبَّهَ بِمَا يُعَانِي فِيهِ مِنْ مَشَاقِّ السَّفَرِ الْمُؤَدِّي إلَيْهِ عَلَى مَوْضِعِ النِّعْمَةِ بِرَفَاهَةِ الإقَامَةِ وَأَنَسَةِ الأوْطَانِ لِيَحْنُوَ عَلَى مِنْ سُلِبَ هَذِهِ النِّعْمَةَ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ. ثُمَّ أَعْلَمَ بِمُشَاهَدَةِ حَرَمِهِ الَّذِي أَنْشَأَ مِنْهُ دِينَهُ، وَبَعَثَ فِيهِ رَسُولَهُ. ثُمَّ بِمُشَاهَدَةِ دَارِ الْهِجْرَةِ الَّتِي أَعَزَّ اللَّهُ بِهَا أَهْلَ طَاعَتِهِ، وَأَذَلَّ بِنُصْرَةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام أَهْلَ مَعْصِيَتِهِ، حَتَّى خَضَعَ لَهُ عُظَمَاءُ الْمُتَجَبِّرِينَ، وَتَذَلَّلَ لَهُ زُعَمَاءُ الْمُتَكَبِّرِينَ. إنَّهُ لَمْ يَنْتَشِرْ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ الْمُنْقَطِعِ، وَلاَ قَوِيَ بَعْدَ الضَّعْفِ الْبَيِّنِ حَتَّى طَبَّقَ الأرْضَ شَرْقًا وَغَرْبًا إلا بِمُعْجِزَةٍ ظَاهِرَةٍ وَنَصْرٍ عَزِيزٍ. فَاعْتَبِرْ ـ أَلْهَمَك اللَّهُ الشُّكْرَ وَوَفَّقَك لِلتَّقْوَى ـ إنْعَامَهُ عَلَيْك فِيمَا كَلَّفَك، وَإِحْسَانَهُ إلَيْك فِيمَا تَعَبَّدَك. فَقَدْ وَكَّلْتُك إلَى فِطْنَتِك وَأَحَلْتُك عَلَى بَصِيرَتِك بَعْدَ أَنْ كُنْتُ لَك رَائِدًا صَدُوقًا، وَنَاصِحًا شَفُوقًا هَلْ تُحْسِنُ نُهُوضًا بِشُكْرِهِ إذَا فَعَلْت مَا أَمَرَك، وَتَقَبَّلْت مَا كَلَّفَك؟ كَلاً إنَّهُ لاَ يُوَلِّيك نِعْمَةً تُوجِبُ الشُّكْرَ إذَا وَصَلَهَا قَبْلَ شُكْرِ مَا سَلَفَ بِنِعْمَةٍ تُوجِبُ الشُّكْرَ فِي الْمُؤْتَنَفِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: نِعَمُ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُشْكَرَ إلا مَا أَعَانَ عَلَيْهِ، وَذُنُوبُ ابْنِ آدَمَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُغْفَرَ إلا مَا عَفَا عَنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute