للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحُكِيَ أَنَّ أَبَا حَازِمٍ الأعْرَجَ أَخْبَرَ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بِوَعِيدِ اللَّهِ لِلْمُذْنِبَيْنِ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: أَيْنَ رَحْمَةُ اللَّهِ؟ قَالَ: قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ.

فلا ينبغي للإنسان أن يَرْجُو الآخرة بِغَيْرِ عَمَلٍ، وَيُؤَخِّرُ التَّوْبَةَ بِطُولِ الأمل.

وَقَالَ مَحْمُودٌ الْوَرَّاقُ رحمه الله: أَخَافُ عَلَى الْمُحْسِنِ الْمُتَّقِي وَأَرْجُو لِذِي الْهَفَوَاتِ الْمُسِي فَذَلِكَ خَوْفِي عَلَى مُحْسِنٍ فَكَيْفَ عَلَى الظَّالِمِ الْمُعْتَدِي عَلَى أَنَّ ذَا الزَّيْغِ قَدْ يَسْتَفِيقُ وَيَسْتَأْنِفُ الزَّيْغَ قَلْبُ التَّقِيّ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ تَقْصِيرُهُ فِيهِ لِيَسْتَوْفِيَ مَا أَخَلَّ بِهِ مِنْ بَعْدُ فَيَبْدَأُ بِالسَّيِّئَةِ فِي التَّقْصِيرِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ فِي الاسْتِيفَاءِ اغْتِرَارًا بالأمل فِي إمْهَالِهِ، وَرَجَاءً لِتَلاَفِي مَا أَسْلَفَ مِنْ تَقْصِيرِهِ وَإِخْلاَلِهِ، فَلاَ يَنْتَهِي بِهِ الأمل إلَى غَايَةٍ، وَلاَ يُفْضِي بِهِ إلَى نِهَايَةٍ؛ لِأَنَّ الأمل هُوَ فِي ثَانِي حَالٍ، كَهُوَ فِي أَوَّلِ حَالٍ.

فَإِذًا يُفْضِي بِهِ الأملُ إلَى الْفَوْتِ مِنْ غَيْرِ دَرَكٍ، وَيُؤَدِّيهِ الرَّجَاءُ إلَى الإهْمَالِ مِنْ غَيْرِ تَلاَفٍ، فَيَصِيرُ الأمَلُ خَيْبَةً وَالرَّجَاءُ إيَاسًا.

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في السلسلة الصحيحة) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: صلاحُ أولِ هذه الأمة بالزهد واليقين، وُيُهْلَكُ آخرها بالبخل والأمل.

(أورد الماوردي رحمه الله تعالى في أدب الدين والدنيا عن الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رحمه الله قَالَ: مَا أَطَالَ عَبْدٌ الأمَلَ، إلا أَسَاءَ الْعَمَلَ.

وَقَالَ رَجُلٌ لِبَعْضِ الزُّهَّادِ بِالْبَصْرَةِ: أَلَكَ حَاجَةٌ بِبَغْدَادَ؟ قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أَبْسُطَ أَمَلِي إلَى أَنْ تَذْهَبَ إلَى بَغْدَادَ وَتَجِيءَ.

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْجَاهِلُ يَعْتَمِدُ عَلَى أَمَلِهِ، وَالْعَاقِلُ يَعْتَمِدُ عَلَى عَمَلِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>