للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن مَنْ أَشْرَبَ قَلْبَهُ حُبَّ الدُّنْيَا وَرَكَنَ إلَيْهَا الْتَاطَ مِنْهَا بِشُغْلٍ لاَ يَفْرُغُ عَنَاهُ، وَأَمَلٍ لاَ يَبْلُغُ مُنْتَهَاهُ، وَحِرْصٍ لاَ يُدْرِكُ مَدَاهُ.

(أورد الماوردي رحمه الله تعالى في أدب الدين والدنيا عن عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ َقَالَ: مَثَلُ الدُّنْيَا مَثَلُ الْحَيَّةِ لَيِّنٌ مَسُّهَا قَاتِلٌ سُمُّهَا، فَأَعْرِضْ عَمَّا أَعْجَبَك مِنْهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُك مِنْهَا، وَضَعْ عَنْك هُمُومَهَا لِمَا أَيْقَنْت مِنْ فِرَاقِهَا، وَكُنْ أَحْذَرَ مَا تَكُونُ لَهَا وَأَنْتَ آنَسَ مَا تَكُونُ بِهَا، فَإِنَّ صَاحِبَهَا كُلَّمَا اطْمَأَنَّ مِنْهَا إلَى سُرُورٍ أَشْخَصَهُ عَنْهَا مَكْرُوهٌ، وَإِنْ سَكَنَ مِنْهَا إلَى إينَاسٍ أَزَالَهُ عَنْهَا إيحَاشٌ.

(وأورد الماوردي رحمه الله تعالى في أدب الدين والدنيا عن عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ َقَالَ: لاَ تَكُنْ مِمَّنْ يَقُولُ فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِ الزَّاهِدِينَ، وَيَعْمَلُ فِيهَا عَمَلَ الرَّاغِبِينَ، فَإِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ. يَعْجَزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ، وَيَبْتَغِي الزِّيَادَةَ فِيمَا بَقِيَ، وَيَنْهَى النَّاسَ وَلاَ يَنْتَهِي، وَيَأْمُرُ بِمَا لاَ يَأْتِي. يُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلاَ يَعْمَلُ بِعَمَلِهِمْ، وَيُبْغِضُ الطَّالِحِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ.

(وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: الدُّنْيَا لاَ تَصْفُو لِشَارِبٍ، وَلاَ تَبْقَى لِصَاحِبٍ، وَلاَ تَخْلُو مِنْ فِتْنَةٍ، وَلاَ تُخَلِّي مِحْنَةً، فَأَعْرِضْ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ تُعْرِضَ عَنْك، وَاسْتَبْدِلْ بِهَا قَبْلَ أَنْ تَسْتَبْدِلَ بِك، فَإِنَّ نَعِيمَهَا يَتَنَقَّلُ، وَأَحْوَالَهَا تَتَبَدَّلُ، وَلَذَّاتِهَا تَفْنَى، وَتَبِعَاتِهَا تَبْقَى.

(وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: اُنْظُرْ إلَى الدُّنْيَا نَظَرَ الزَّاهِدِ الْمُفَارِقِ لَهَا، وَلاَ تَتَأَمَّلْهَا تَأَمُّلَ الْعَاشِقِ الْوَامِقِ بِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>