للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(يا أَيُّهَا النَّاس إِنَّ هَذِهِ الدَّارَ دَارُ التواء لا دَارُ استواء، ومَنزل تَرَح، لا منزل فَرَح، مَنْ عَرَفَهَا لَمْ يَفْرَحِ لِرَخَاءٍ، وَلَمْ يحزَن لشقاء أَلا وَإِنَّ الله عَزَّ وجل خلَقَ َالدُّنْيَا دَارَ بَلْوَى، والآخرةَ دَارِ عُقْبَى فجعلَ بَلْوَى الدُّنْيَا لِثوابِ الآخرةِ سَبَبًا وَثَوَابَ الآخرة مِنْ بَلْوَى الدُّنْيَا عِوَضًا، فيأخذ لِيُعْطي، وَيُبْتَلى لِيَجْزي، إِنَّهَا لَسَرِيعَةُ الذَّهَابِ، وَشِيكَةُ الانْقِلاب، فاحْذَرُوا حَلاوَةَ رِضَاعِهَا لِمَرَارَةِ فِطَامِهَا، وَاهْجُرُوا لَذِيذَ عَاجِلِها لِكَرِيهِ آجِلِهَا وَلا تَسْعَوا فِي عُمْرَانِ دَارٍ قَدْ قَضَى الله خَرَابَها وَلا تُوَاصِلُوهَا، وَقَدْ أَرَادَ الله مِنْكُمْ اجْتِنَابِهَا، فَتَكُونُوا لِسُخْطِهِ مُتَعَرِّضِينَ، وَلِعُقُوبَتِه مُسْتَحِقِّينَ.

(واعلم رحمك الله تعالى أن من أحوال رياضتك أَنْ تَأْمَنَ الاغْتِرَارَ بِمَلاَهِيهَا فَتَسْلَمَ مِنْ عَادِيَةِ دَوَاهِيهَا، فَإِنَّ اللاَهِيَ بِهَا مَغْرُورٌ، وَالْمَغْرُورُ فِيهَا مَذْعُورٌ.

(واعلم رحمك الله تعالى أن من أحوال رياضتك لَهَا أَنْ تُصَدِّقَ نَفْسَك فِيمَا مَنَحَتْك مِنْ رَغَائِبِهَا، وَأَنَالَتْك مِنْ غَرَائِبِهَا فَتَعْلَمَ أَنَّ الْعَطِيَّةَ فِيهَا مُرْتَجَعَةٌ، وَالْمِنْحَةَ فِيهَا مُسْتَرَدَّةٌ، بَعْدَ أَنْ تُبْقِي عَلَيْك مَا احْتَقَنَتْ مِنْ أَوْزَارِ وُصُولِهَا إلَيْك، وَخُسْرَانِ خُرُوجِهَا عَنْك، وتأمل في الحديثين الآتيين بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيهما واجعل لهما من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيهما من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.

((حديث أبي برزة الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن شبابه فيما أبلاه وعن عمره فيما أفناه و عن ماله من أين اكتسبه و فيما أنفقه و عن علمه ما فعل فيه.

((حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترغيب والترهيب) قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا على سحت, النار أولى به يا كعب بن عجرة، الناس غاديان فغاد في فكاك نفسه فمعتقها وغاد موبقها.

<<  <  ج: ص:  >  >>