(حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء.
{تنبيه}: (إن العاقل هو من تنبه لحقيقة الدنيا وأنزلها منه بمنزلة الدنيا ولم يأخذ منها إلا ما يُقيمه، وما أحسن قول الإمام وكيع ابن الجراح في ذلك فتأمله بعين البصيرة، وتقبله بقبولٍ حسن وأعِرْهُ سمعك وبصرك واجعل له في سمعك مسمعاً وفي قلبك موقعاً عسى الله أن ينفعك به ويوفقك إلى تطبيقه.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن محمد البيهقي، قال: سمعت وكيعا يقول، وقد جاءه رجل يناظره في شيء من أمر المعاش أو الورع: فقال له وكيع: من أين تأكل؟ قال: ميراثا ورثته عن أبي، قال: من أين هو لأبيك؟ قال: ورثه عن أبيه. قال: من أين هو كان لجدك؟ قال لا أدري. فقال له وكيع: لو أن رجلا نذر لا يأكل إلا حلالاً ولا يلبس إلا حلالاً ولا يمشي إلا في حلال لقلنا له اخلع ثيابك وارم بنفسك في الفرات، ولكن لا تجد إلا السعة. ثم قال وكيع: لو أن رجلا بلغ في ترك الدنيا مثل سلمان وأبي ذر وأبي الدرداء ما قلنا له زاهدا، لأن الزهد لا يكون إلا على ترك الحلال المحض، والحلال المحض لا نعرفه اليوم، فالدنيا عندنا حلال وحرام وشبهات، فالحلال حساب، والحرام عذاب، والشبهات عتاب. فأنزل الدنيا بمنزل الميتة، خذ منها ما يقيمك، فإن كانت حلالاً كنت قد زهدت فيها، وإن كانت حراما كنت قد أخذت منها ما يقيمك لأنه لا يحل لك من الميتة إلا قدر ما يقيمك، إن كانت شبهات كان فيها عتاب يسير.
(وما أحسن قول يحيي ابن معاذ في ذلك فتأمله بعين البصيرة:
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن يحيى بن معاذ قال: الدنيا أمير من طلبها، وخادم من تركها، الدنيا طالبة ومطلوبة، فمن طلبها رفضته ومن رفضها طلبته، الدنيا قنطرة الآخرة فاعبروها ولا تعمروها، ليس من العقل بنيان القصور على الجسور، الدنيا عروس وطالبها ماشطتها، وبالزهد ينتف شعرها ويسود وجهها ويمزق ثيابها. ومن طلق الدنيا فالآخرة زوجته. فالدنيا مطلقة الأكياس لا تنقضي عدتها أبداً، فخل الدنيا ولا تذكرها، واذكر الآخرة ولا تنسها، وخذ من الدنيا ما يبلغك الآخرة، ولا تأخذ من الدنيا ما يمنعك الآخرة.