للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار.

(فانظر محبة الدنيا كيف حَرَمتْ هؤلاء من الأجر، وأفسدت عليهم عملهم، وجعلتهم أول الداخلين إلى النار.

رابعاً: أن محبتها تعترض بين العبد وبين فعل ما يعود عليه نفعه فى الآخرة باشتغاله عنه بمحبوه، والناس ها هنا مراتب: فمنهم من يشغله محبوبه عن الإيمان وشرائعه، ومنهم من يشغله حبها عن كثير من الواجبات، ومنهم من يشغله عن واجب يعارض تحصيلها – وإن قام بغيره – ومنهم من يشغله عن القيام بالواجب فى الوقت الذى ينبغى على الوجه الذى ينبغى، فيفرط فى وقته وفى حقوقه، ومنهم من يشغله عن عبودية قلبه فى الواجب، وتفريغه لله عند أدائه، فيؤديه ظاهراً لا باطناً، وأين هذا من عشاق الدنيا ومحبيها، هذا من أندرهم وأقل درجات حبها أن يشغل عن سعادة العبد، وهو تفريغ القلب لحب الله، و لسانه لذكره، وجمع قلبه على لسانه، وجمع لسانه وقلبه على ربه، فعشقها ومحبتها تضر بالآخرة ولا بد، كما أن محبة الآخرة تضر بالدنيا.

خامساً: أن محبتها تجعلها أكبر همّ العبد مما يضر به ضرراً بليغاً كما في الحديث الآتي:

(حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: من كانت الآخرة همّه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همّه جعل الله فقره بين عينيه، وفرَّق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدِّر له.

[من كانت الآخرة همّه]: يعني: أي شغله الشاغل، يعمل لها ويرغب فيها عن الآخرة، كان جزائه ما يلي:

<<  <  ج: ص:  >  >>