للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(والحال الثاني: علم كيف السياسة لها؟، وكيف تراض؟، وكيف تؤدب؟، فهذان الحالان لا بد لكل مسلم عاقل أن يطلب علمه حتى يعرف نفسه، ويعرف كيف يؤدبها. قلت: فأما معرفة النفس، وقبيح ما تدعو إليه، فقد تقدم ذكري له، وأنا أزيدك في فضحتها: {هي جامعة لكل بلاء. وخزانة إبليس، وإليها يأوي، ويطمئن. تظهر لك الزهد وهي راغبة. وتظهر لك الخوف، وهي آمنة، تفرح بحسن ثناء من جهلها بباطل، فتحمده، وتدينه، ويثقل عليها الصدق من ذمها بحق، نصحا منه لها، فتبغضه وتقصيه} وأنا أمثل لك مثالا لا يخفى عليك أمرها إن شاء الله: اعلم أن النفس مثلها كمثل المُهْرِ الحسن من الخيل، إذا نظر إليه الناظر أعجبه حسنه وبهاؤه، فيقول أهل البصيرة به: لا ينتفع بهذا حتى يراض رياضة حسنة، ويؤدب أدبا حسنا، فحينئذ ينتفع به، فيصلح للطلب والهرب، ويحمد راكبه عواقب تأديبه ورياضته. فإن لم يؤدب لم ينتفع بحسنه ولا ببهائه، ولا يحمد راكبه عواقبه عند الحاجة. فإن قيل صاحب هذا المهر قول أهل النصيحة والبصيرة به، علم أن هذا قول صحيح فدفعه إلى رائض فراضه. ثم لا يصلح أن يكون الرائض إلا عالما بالرياضة، معه صبر على ما معه من علم الرياضة، فإن كان معه بالرياضة ونصحه انتفع به صاحبه، فإن كان الرائض لا معرفة معه بالرياضة، ولا علم بأدب الخيل، أفسد هذا المهر وأتعب نفسه، ولم يحمد راكبه عواقبه، وإن كان الرائض معه معرفة الرياضة والأدب للخيل إلا أنه مع معرفته لم يصبر على مشقة الرياضة، وأحب الترفيه لنفسه، وتوانى عما وجب عليه، من النصيحة في الرياضة، أفسد هذا المهر، وأساء إليه، ولم يصلح للطلب، ولا للهرب، وكان له منظر بلا مخبر، فإن كان مالكه هو الرائض له، ندم على توانيه يوم لا ينفعه الندم، حين نظر إلى غيره في وقت الطلب، قد طلب فأدرك، وفي وقت الهرب قد هرب فسلم، وطلب فهو لم يدرك، وهرب فلم يسلم، كل ذلك بتوانيه، وقلة صبره بعد معرفته منه، ثم أقبل على نفسه يلومها ويبخها، فيقول: لم فرطت؟ لم قصرت؟، لقد عاد علي من قلة صبرى كل ما أكره. والله المستعان.

<<  <  ج: ص:  >  >>