للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحديثان صُدر أحدهما باجتناب الملاعن الثلاث، والآخر باتقاء اللاعنين، فما المراد بذلك. قال الخطابي: المراد باللاعنين الأمرين الجالبين للعن، الحاملين الناس عليه والداعيين إليه، وذلك أن من فعلهما شتم ولعن يعني عادة الناس لعنه، فلما صارا سبباً لذلك أضيف اللعن إليهما، قال: وقد يكون اللاعن بمعنى الملعون والملاعن مواضع اللعن، قلت: فعلى هذا يكون التقدير: اتقوا الأمرين الملعون فاعلهما، وهذا على رواية أبي داود. وأما على رواية مسلم فمعنا والله أعلم: اتقوا فعل اللعانين أي صاحبي اللعن وهما اللذان يلعنهما الناس في العادة والله أعلم (١).

وعلة النهي عن التخلي في هذه المواضع الثلاثة، هو أن تقذير هذه المواضع وتنجيسها بالقذر فيه إيذاءٌ للمؤمنين وإيذاءهم محرم بنص الكتاب، قال تعالى: (وَالّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مّبِيناً) [الأحزاب: ٥٨]

{تنبيه}: يُلحق بالظل، المكان الذي يتشمس فيه الناس أيام الشتاء، قال الشيخ ابن عثيمين: وهذ قياسٌ جلي (٢). وعلى هذا فلا يجوز التخلي في هذا المكان، لأن العلة في النهي عن الظل موجودة هنا والحكم يدور مع علته وجوداً وعدما ً.

{فائدة}: الأحاديث تشير إلى أن النهي ينصبُ على حال التغوط فقط دون التبول. وإلى هذا ذهب النووي فقال في شرح قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الذي يتخلى في طريق الناس وظلهم) قال: فمعناه يتغوط في موضع يمر به الناس. ورد ذلك العظيم آبادي فقال: [و] لا يصح تفسير النووي بالتغوط، ولو سلم فالبول يلحق به قياساً ... وقال: وقد علمت أن المراد بالتخلي التفرد لقضاء الحادة غائطاً كان أو بولاً ... وأنت تعلم أن البراز اسم للفضاء الواسع من الأرض، وكنوا به عن حاجة الإنسان، يقال: تبرز الرجل إذا تغوط، فإنه وإن كان اسماً للغائط لكن يلحق به البول (٣).

مسألة: ثبت أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يستتر عند قضاء حاجته بحائش نخلٍ، والحائش له ظل. فكيف نجمع بين فعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين نهيه؟


(١). شرح مسلم للنووي. المجلد الثاني (٣/ ١٣٢)
(٢). الشرح الممتع على زاد المستقنع (١/ ١٠٢). دار آسام. ط. الثانية ١٤١٤هـ
(٣). انظر شرح مسلم للنووي. المجلد الثاني (٣/ ١٣٢)، وعون المعبود. المجلد الأول (١/ ٣٠ - ٣١)

<<  <  ج: ص:  >  >>