للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ لَهُ سَرَاوِيلُ وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ رِوَايَةِ يُكْرَهُ كَشُرْبِهِ قَائِمًا وَنَهْيِهِ عَنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا لَوْ وَضَعَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ اسْتِلْقَاءٍ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ نَظَرًا إلَى أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ مَنْعُ الِاسْتِلْقَاءِ , وَالْأَصْلُ اعْتِبَارُ الْوَصْفِ. أَوْ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَضْعُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى , وَالِاسْتِلْقَاءُ ذُكِرَ ; لِأَنَّهُ الْغَالِبُ لَا أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي الْحُكْمِ , وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ خُولِفَ لِلْخَبَرِ وَهُوَ فِي أَمْرٍ مَخْصُوصٍ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ قَبْلَ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ: اتَّفَقُوا عَلَى إبَاحَةِ جُلُوسِ الْمَرْءِ كَيْفَ أَحَبَّ مَا لَمْ يَضَعْ رِجْلًا عَلَى رِجْلٍ أَوْ يَسْتَلْقِي كَذَلِكَ , وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الِاسْتِلْقَاءِ وَالْقُعُودِ كَمَا قَدَّمْنَا فَمِنْ مَانِعٍ وَمُبِيحٍ. فَسَوَّى ابْنُ حَزْمٍ فِي حِكَايَتِهِ بَيْنَ الْقُعُودِ وَالِاسْتِلْقَاءِ , وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَبَقَ وَالْقَوْلُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُ مُتَّجَهٍ لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالْأَصْلُ التَّسَاوِي فِي الْأَحْكَامِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ.

(١٣) جواز النوم في المسجد:

يجوز النوم في المسجد لمن احتاج إلى ذلك، ولقد كان أصحاب الصُّفة-رضي الله عنهم- (١) ينامون في المسجد (٢)، وكان ابن عمر-رضي الله عنهما- ينام في المسجد قبل أن يكون له أهل.

(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري) أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ شَابٌّ أَعْزَبُ لَا أَهْلَ لَهُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح ابن ماجه) قَالَ كُنَّا نَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


(١). أصحاب الصُّفة: فقراء كانوا يقيمون في مسجد-رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ويأكلون وينامون فيه.
(٢). البخاري (٤٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>