[*] أورد الذهبي في سير أعلام النبلاء عن طارق أن عمر كتب إلى أبي عبيدة في الطاعون إنه قد عرضت لي حاجة ولا غنى بي عنك فيها فعجل إلي فلما قرأ الكتاب قال عرفت حاجة أمير المؤمنين إنه يريد أن يستبقي من ليس بباق فكتب إني قد عرفت حاجتك فحللني من عزيمتك فإني في جند من أجناد المسلمين لا أرغب بنفسي عنهم فلما قرأ عمر الكتاب بكى فقيل له مات أبو عبيدة قال لا وكأن قد قال فتوفي أبو عبيدة وانكشف الطاعون قال أبو الموجه محمد بن عمرو المروزي زعموا أن أبا عبيدة كان في ستة وثلاثين ألفا من الجند فلم يبق منهم إلا ستة آلاف رجل.
سبحان الله - هو عمر كان يحب جداً أبا عبيدة بن الجراح وكان يرى فيه أمانة الأمة كلها مجتمعة في هذا الرجل فلما علم أن الطاعون نزل بأرض الشام علم أنه لابد أن يهلك والأمة تحتاج لمثله فانظروا إلى فقه عمر ثم انظروا إلى ما أروع من ذلك فقه أبي عبيدة بن الجراح، عمر بن الخطاب لما علم أن الطاعون قد نزل في الأرض التي فيها أبو عبيدة قال: إني قد عرضت لي حاجة ولا غنى بي عنك - يعني أريدك أن تأتي حتى يُنقذه الله من الطاعون - وهذا كان خلاف السنة كما في الحديث الآتي:
(حديث أسامة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: الطاعون رجس، أرسل على طائفة من بني إسرائيل، أو: على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه).
فلما قرأ هذا الكتاب قال: عرفت حاجة أمير المؤمنين إنه يريد أن يستبقي من ليس بباقٍ، فكتب: إني قد عرفت حاجتك فحلّلِني من عزيمتك - يعني أنا في حلٍّ من أمرك - فإني في جند من أجناد المسلمين لن أرغب بنفسي عنهم، فلما قرأ عمر الكتاب بكى فقيل له مات أبو عبيدة؟ قال: لا وكأن قد، قال فتُوفي أبو عبيدة وانكشف الطاعون.
[*] قال عمر لبعض جلسائه تمنوا فتمنوا كل واحد أمنية - وانظروا كيف تمنى عمر بن الخطاب ما يتمنى لنفسه ولا لشخصه يتمنى لله يتمنى لنفع هذه الأمة - قال: تمنوا، فتمنوا، فقال عمر: لكني أتمنى بيتاً ممتلئاً رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح. الأمة كلها تفوز وتنتصر بمثل وجود أبي عبيدة بن الجراح.
وكان أبو بكر رضي الله وأرضاه أمَّر أبا عبيدة بيت المال لأمانته ولقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمين هذه الأمة هو أبو عبيدة بن الجراح.