للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{تنبيه}: اسم الجار يشمل المسلم والكافر، والعابد والفاسق، والصديق والعدو، والغريب والبلدي، والنافع والضار، والقريب والأجنبي، والأقرب داراً والأبعد. وله مراتب بعضها أعلى من بعض، فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأول كلها ثم أكثرها وهلم جرا إلى الواحد، وعكسه من اجتمعت فيه الصفات الأخرى كذلك، فيعطى كل حقه بحسب حاله، وقد تتعارض صفتان فأكثر فيرجح أو يساوى، قاله في الفتح (١).

(٢) الجار الأدنى وحقوقه:

الجار الأدنى الملاصق له من الحقوق ما ليس للجار البعيد. ويُؤخذ هذا الحكم من سؤال عائشة -رضي الله عنها- في الحديث الآتي:

(حديث عائشة الثابت في صحيح البخاري) قالت: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي قَالَ إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا.

فلما أمر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتخصيص الهدية للجار القريب دون البعيد، عُلم أن حقه مقدم على حق البعيد. ومن الحِكم في ذلك: أن الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوف لها بخلاف الأبعد، وإن الأقرب أسرع إجابة لما يقع لجاره من المهمات لا سيما في أوقات الغفلة، قاله الحافظ (٢). وأكثر الناس على ذلك، فإنهم يخصون القريب منهم بمزيد عناية وتعاهد، ما لايجده الجار البعيد.

ومن حقوق الجار أن لا يمنع الجار جاره من غرز الخشب أو وضعه على جداره من أجل بناء غرفة أو نحو ذلك، بنص السنة الصحيحة وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة:

(حديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ، ثُمَّ يَقُولُا أَبُو هُرَيْرَةَ مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ.

ولكن لا بد من مراعاة عدة أمور:

أولاً: أن يكون البناء لا يضر بالجدار.

ثانياً: أن يكون الجار الآخر مضطراً لذلك.

ثالثاً: أن لا توجد طريقة أخرى يمكن بواسطتها البناء، إلا بالاعتماد على جدار الجار.

فإن اختل أحد أو بعض هذه الأمور فإنه لا يجوز للجار المستفيد البناء والاعتماد على جدار جاره لما في ذلك من الإضرار الذي نهى عنه الشرع: فـ (لا ضرر ولا ضرار) كما في الحديث الآتي:

(حديث ابن عباس الثابت في صحيح ابن ماجة) أنَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ.


(١). (١٠/ ٤٥٦)
(٢). فتح الباري (١٠/ ٤٦١)

<<  <  ج: ص:  >  >>