للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابنُ جريرٍ وغيره: "هذا حديثٌ جامعٌ لأنواعٍ من الخير؛ لأنَّ الإنسان إذا رأى من فُضِّلَ عليه في الدنيا، طَلَبَتْ نفسُه مثل ذلك، واستصغر ما عنده من نعمة الله، وحَرَص على الازدياد؛ ليلحق بذلك أو يقاربه؛ هذا هو الموجود في غالب الناس، وأمَّا إذا نَظَرَ في أمور الدنيا إلى مَنْ هو دونه فيها، ظهرت له نعمةَ الله - تعالى - عليه، فشكرها، وتواضع، وفعل فيه الخير". اهـ

فالمسلم عندما يشعر بالقناعة والرضا بما قسمه الله له يكون غنيا عن الناس، عزيزًا بينهم، لا يذل لأحد منهم.

أما طمع المرء، ورغبته في الزيادة يجعله ذليلاً إلى الناس، فاقدًا لعزته، ولذا قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ارْضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس"

كما في الحديث الآتي:

(حديث أبي هريرة في صحيح الترمذي) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: اتق المحارم تكن أعبد الناس و ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس و أحسن إلى جارك تكن مؤمنا و أحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما و لا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب.

والإنسان الطمَّاع لا يشبع أبدًا، ويلح في سؤال الناس، ولا يشعر ببركة في الرزق، ولذا نهى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الإلحاف في المسألة كما في الحديث الآتي:

(حديث معاوية رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لا تلحفوا في المسألة فوالله لا يسألني أحد منكم شيئا فتخرج له مسألته مني شيئا وأنا له كاره فيبارك له فيما أعطيته.

لا تُلْحِفُوا: أي لا تلحوا.

(٢) القناعة طريق الجنة: بَيَّن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن المسلم القانع الذي لا يسأل الناس ثوابُه الجنة، كما في الحديث الآتي:

(حديث ثوبان في صحيح أبي داود) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: من يكفل لي أن لا يسأل الناس شيئاً وأتكفل له بالجنة؟ فقال ثوبان أنا، فكان لا يسأل الناس شيئاً.

(٣) القناعة عزة للنفس: القناعة تجعل صاحبها حرًّا؛ فلا يتسلط عليه الآخرون، أما الطمع فيجعل صاحبه عبدًا للآخرين. وقد قال الإمام علي-رضي الله عنه-: الطمع رق مؤبد (عبودية دائمة)

وقال أحد الحكماء: من أراد أن يعيش حرًّا أيام حياته؛ فلا يسكن قلبَه الطمعُ. وقيل: عز من قنع، وذل من طمع. وقيل: العبيد ثلاثة: عبد رِقّ، وعبد شهوة، وعبد طمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>