كان عمر رحمه الله ابن والي مصر عبد العزيز، وكان يعيش في أسرة الملك والحكم، حيث النعيم الدنيوي، وزخرف الدنيا الزائل، وكان رحمه الله يتقلب في نعيم يتعاظم كل وصف، ويتحدى كل إحاطة .. إنّ دخله السنوي من راتبه ومخصصاته، ونتاج الأرض التي ورثها من أبيه يجاوز أربعين ألف دينار .. وإنه ليتحرك مسافراً من الشام إلى المدينة، فينتظم موكبه خمسين جملاً تحمل متاعه ..
وكان يلبس أبهى الثياب وأغلاها .. ويضمخ نفسه بأبهج عطور دنياه، حتى إنه ليعبر طريقاً ما، فيعلم الناس أنه عبره، وكان رحمه الله يتأنق في كل شيء .. حتى المشية .. التي انفرد بها وشغف الشباب بمحاكاتها وعرفت لفرط أناقتها واختيالها بـ"المشية العمرية.
ثم إنه رحمه الله مع هذا كله كان فيه نبوغ مبكر فلم تنسه هذه الدنيا وزخرفها الله تعالى والدار الآخرة، بل إنه رحمه الله كان فيه حب للعلم وأهله كما سيأتي
لقد جمع القرآن وهو صغير، تحدث هو عن نفسه وطفولته فقال: " لقد رأيتني بالمدينة غلاماً مع الغلمان ثم تاقت نفسي للعلم، فأصبت منه حاجتي " .. وَرَغَبَ إلى والده أن يغادر مصر إلى المدينة ليَدْرُس بها ويتفقه، فأرسله إليها وعهد به إلى واحد من كبار معلمي المدينة وفقهائها وصالحيها وهو: صالح بن كيسان رحمه الله،
ثم لا يكاد ينزل بها حتى يلوذ بالشيوخ والعلماء والفقهاء، متجنباً أترابه ولِدَاته .. وأقبل على العربية وآدابها وشعرها فيستوعب من ذلك كله محصولاً وفيراً.
بكاء عمر بن عبد العزيز حال صغره وخوفه:
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن أبي قبيل أن عمر بن عبد العزيز بكى وهو غلام صغير فأرسلت إليه أمه وقالت ما يبكيك قال ذكرت الموت قال وكان يومئذ قد جمع القرآن فبكت أمه حين بلغها ذلك.
اهتمام والد عمر بن عبد العزيز بتأديبه في الصغر:
عني والده عبد العزيز بن مروان بتربيته تربية صالحة، وعلَّمه القراءة والكتابة، لكن عمر رغب أن يغادر مصر إلى المدينة ليأخذ منها العلم، فاستجاب عبد العزيز بن مروان لرغبة ولده وأرسله إلى واحد من كبار علماء المدينة وصالحيها وهو "صالح بن كيسان".