للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان عمر لا يكتفي بحسن الاختيار بعد دراسة وتجربة، بل كان يتابع ويراقب، لكن مراقبته لم تكن مراقبة المتهم، بل كان يراقب تطبيق السياسة العامة التي وضعها للدولة.

وإذا كان قد أخذ نفسه بالشدة والحياة الخشنة، فإنه لم يلزم بها ولاته، بل وسّع عليهم في العطاء، وفرض لهم رواتب جيدة تحميهم من الانشغال بطلب الرزق، وتصرفهم عن الانشغال بأحوال المسلمين، كما منعهم من الاشتغال بالتجارة، وأعطى لهم الحرية في إدارة شئون ولاتهم؛ فلا يشاورونه إلا في الأمور العظيمة، وكان يظهر ضيقه من الولاة إذا استوضحوه في الأمور الصغيرة .. كتب إليه أحد ولاته يستوضح منه أمرًا لا يحتاج إلى قرار من الخليفة، فضاق منه عمر، وكتب إليه: "أما بعد، فأراك لو أرسلتُ إليك أن اذبح شاة، ووزِّع لحمها على الفقراء، لأرسلت إلي تسألني: كبيرة أم صغيرة؟ فإن أجبتك أرسلت تسأل: بيضاء أم سوداء؟ إذا أرسلت إليك بأمر، فتبيَّن وجه الحق منه، ثم أمْضِه".

هم الخلافة:

كان تولي عمر بن عبد العزيز للخلافة نقطة التحول في حياة عمر رضي الله عنه، ترى ربيب الملك، وحفيد المجد، وابن القصور الناعمة، والمباهج الهاطلة، ذلك الشاب بعد أن تحمل مسؤولية أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف تحولت حياته وتغير جدول أوقاته، كيف استشعر حجم المسئولية الملقاة على عاتقة وكأنه يحمل جبل أحد على ظهره، وهو يعلم علم اليقين أن الإمارة تكليف وليست تشريف، للناس غنمها وعليه غُرْمُها، فلو رأيته بعد أن تولى الخلافة وقد نحل جسمه وتغير لونه لما قلت أن هذا هو ابن القصور الناعمة والمباهج الهاطلة.

[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز أنها دخلت عليه فإذا هو في مصلاه يده على خده سائلة دموعه فقلت يا أمير المؤمنين ألشيء حدث قال يا فاطمة إني تقلدت أمر أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتفكرت في الفقير الجائع والمريض الضائع والعاري المجهود والمظلوم المقهور والغريب المأسور والكبير وذي العيال في أقطار الأرض فعلمت أن ربي سيسألني عنهم وأن خصمهم دونهم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخشيت ألا تثبت لي حجة عند خصومته فرحمت نفسي فبكيت.

الحوار الذي دار بين عمر بن عبد العزيز وبين ابنه بعد توليه الخلافة:

<<  <  ج: ص:  >  >>