للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك كان العصر الذي عاش فيه عمر بن عبد العزيز رحمه الله في قبيل خلافته كان فيه من الفساد العميم ما الله به عليم حتى راح كل قادر على النهب ينتهب ما تصل إليه يداه، وغابت الأخلاق فشاع الترف والانحلال، ووراء الفساد سار الخراب، فأخذت الأزمات المالية بخناق الدولة ومحق إنتاجها، وكان فيه تزييف لقيم الدين حتى إنه كان يُلْعَنُ على المنابر بطل الإسلام العظيم وابنه البار وإمامه الأواب ورابع الخلفاء وابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وساعد في هذا التزييف شعراء العصر.

بدأ عمر بن عبد العزيز رحمه الله بتغيير هذا الواقع إلى الصورة المثلى في ذهنه، فلما ولي بدأ بلحمته وأهل بيته، فأخذ ما بأيديهم، وسمى أموالهم مظالم، وهي الأموال الهائلة .. والثروات العظيمة التي تملكها أسرته، وإخوته وحاشيته، وعزم على ردها إلى أصحابها إن عرف أصحابها، أو إلى الخزانة العامة، وأن ينفذ على الجميع قانون " من أين لك هذا " وبدأ في ذلك بنفسه، فقد كان له عقارات أيام أسلافه من الخلفاء فرأى أنه لم يكن لهم سلطة شرعية عليها ليعطوه إياها وأنها من أملاك الدولة ... وأحصى أملاكه فإذا هي كلها من عطايا الخلفاء ولم يجد إلا عيناً في السويداء كان استنبطها من عطائه ـ والعطاء رواتب عامة تعطى للناس جميعاً من بيت المال ـ وتوجه إلى أمراء البيت الأموي فجمعهم وحاول أن يعظهم ويخوفهم الله، وبين لهم أن ليس لهم من الحق في أموال الخزانة العامة أكثر مما للأعرابي في صحرائه، والراعي في جبله .. وأن ما بأيديهم من أموال جمعوها من حرام ليس لهم إنما هو لله، وأرادهم على ردها فأبوا، ودعاهم مرة أخرى إلى وليمة واستعمل أسلوباً آخر من اللين فلم يستجيبوا، فلما عجزت معهم أساليب اللين عمد إلى الشدة وأعلم أنه كل من كانت له مظلمة أو عدا عليه أحد من هؤلاء فليتقدم بدعواه، وألف لذلك محكمة خاصة، وبدأ يجردهم من هذه الثروات التي أخذوها بغير وجهها ويردها إلى أصحابها أو إلى الخزانة العامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>