حتى لا ينفذ له علم إلا بعد مشيئتهم، فماذا تريدون بهلكة أنفسكم في رد علم الله؟ فإن الله عز وجل لم يشهدكم خلق أنفسكم فكيف يحيط جهلكم بعلمه، وعلم الله ليس بمقصر عن شىء هو كائن، ولا يسبق علمه في شىء فيقدر أحد على رده، فلو كنتم تنتقلون في كل ساعة من شىء إلى شىء هو كائن من العباد في الأرض من الفساد وسفك الدماء فيها، وما كان لهم في الغيب من علم، فكان في علم الله الفساد وسفك الدماء، وما قالوا تخرصاً إلا بتعليم العليم الحكيم لهم، فظن ذلك منهم وقد أنطقهم به، فأنكرتم أن الله أزاغ قوماً قبل أن يرفعوا، وأضل قوماً قبل أن يضلوا، وهذا مما لاشك فيه المؤمنون بالله، إن الله قد عرف قبل أن يخلق العباد مؤمنهم من كافرهم، وبرهم من فاجرهم، وكيف يستطيع عبد هو عند الله مؤمن أن يكون كافراً، أو هو عند الله كافر أن يكون مؤمناً؟ والله تعالى يقول:: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَن مّثَلُهُ فِي الظّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا)[الأنعام: ١٢٢]. فهو في الضلالة ليس بخارج منها أبداً إلا بأذن الله، ثم آخرون اتخذوا من بعد الهدى عجلاً جسداً فضلوا به، فعفى عنهم لعلهم يشكرون، فصاروا من أمة قوم موسى، أمة يهدون بالحق وبه يعدلون، وصاروا إلى ما سبق لهم، ثم ضلت ثمود بعد الهدى فلم يعف عنهم ولم يرحموا، فصاروا في علمه إلى صيحة واحدة فإذا هم خامدون فنفذوا إلى ما سبق لهم أن صالحاً رسولهم، وأن الناقة فتنة لهم وأنه مميتهم كفاراً فعقروها، وكان إبليس فيما كانت فيه الملائكة من التسبيح والعبادة ابتلى فعصى فلم يرحم، وابتلى آدم فعصى فرحم، وهم آدم بالخطيئة فنسى، وهم يوسف بالخطيئة فعصم، فأين كانت الاستطاعة عند ذلك؟ هل كنت تغني شيئاً فيما كان من ذلك حتى لا يكون؟ أو تغني فيما لم يكن حتى يكون؟ فتعرف لكم بذلك حجة بل الله أعز مما تصفون وأقدر.