للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أنتم بجهلكم قد أظهرتم دعوة حق على تأويلٍ باطل تدعون الناس إلى رد علم الله، فقلتم الحسنة من الله والسيئة من أنفسنا، وقال: أئمتكم وهم أهل السنة: الحسنة من الله في علم قد سبق، والسيئة من أنفسنا في علم قد سبق، فقلتم: لا يكون ذلك حتى يكون بدؤها من أنفسنا كما بدء السيئات من أنفسنا، وهذا رد للكتاب منكم، ونقض للدين. وقد قال ابن عباس حين نجم القول بالقدر: هذا أول شرك هذه الأمة، والله ما ينتهي بهم سوء رأيهم حتى يخرجوا الله من أن يكون قدر خيراً، كما أخرجوه من أن يكون قدر شراً، فأنتم تزعمون بجهلكم أن من كان في علم الله ضالاً فاهتدى فهو بما ملك ذلك حتى كان في هداه ما لم يكن الله علمه فيه، وأن من شرح صدره للإسلام فهو بما فوض إليه قبل أن يشرحه الله له، وأنه إن كان مؤمناً فكفر فهو مما شاء لنفسه، وملك من ذلك لها، وكانت مشيئته في كفره أنفذ من مشيئة الله في إيمانه، بل أشهد أنه من عمل حسنة فبغير معونة كانت من نفسه عليها، وأن من عمل سيئة فبغير حجة كانت له فيها وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء وأن لو أراد الله أن يهدى الناس جميعاً لنفذ أمره فيمن ضل حتى يكون مهتدياً، فقلتم. بمشيئة الله شاء لكم تفويض الحسنات إليكم، وتفويض السيئات، ألقى عنكم سابق علمه في أعمالكم، وجعل مشيئته تبعاً لمشيئتكم، ويحكم فوالله ما أمضى لبني إسرائيل مشيئتهم حين أبوا أن يأخذوا ما آتاهم بقوة حتى نتق الجبل فوقهم كأنه ظلة، فهل رأيتموه أمضى مشيئته لمن كان في ضلالته حين أراد هداه حتى صار إلى أن أدخله بالسيف إلى الإسلام كرها بموضع علمه بذلك فيه، أم هل أمضى لقوم يونس مشيئتهم حين أبوا أن يؤمنوا حتى أظلهم العذاب فآمنوا وقبل منهم، ورد على غيرهم الإيمان فلم يقبل منهم، وقال تعالى: (فَلَمّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوَاْ آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنّةَ اللّهِ الّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ) [غافر ٨٤: ٨٥]. وذلك كان موقعهم عنده أن يهلكوا بغير قبول منهم، بل الهدى والضلالة، والكفر والإيمان، والخير والشر، بيد الله يهدى من يشاء ويذر من يشاء في طغيانهم يعمهون. كذلك قال إبراهيم عليه السلام: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيّ أَن نّعْبُدَ الأصْنَامَ) [إبراهيم: ٣٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>