. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
دَلِيلٌ نَاهِضٌ عَلَى الْوُجُوبِ، لِأَنَّ صَلَاةَ السَّفَرِ إذَا كَانَتْ مَفْرُوضَةً رَكْعَتَيْنِ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا، كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ فِي الْحَضَرِ. وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا: أَنَّ الْحَدِيثَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ غَيْرُ مَرْفُوعٍ، وَأَنَّهَا لَمْ تَشْهَدْ زَمَانَ فَرْضِ الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا لَنُقِلَ تَوَاتُرًا. وَقَدْ قَدَّمْنَا الْجَوَابَ عَنْ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ عَائِشَةَ.
وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهَا: " فُرِضَتْ " أَيْ قُدِّرَتْ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ. وَمِنْهَا مَا قَالَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهَا: " فُرِضَتْ " يَعْنِي لِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا، فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ رَكْعَتَانِ عَلَى سَبِيلِ التَّحَتُّمِ، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِصَارِ، وَهُوَ تَأْوِيلٌ مُتَعَسِّفٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَى مِثْلِهِ. وَمِنْهَا الْمُعَارَضَةُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ بِأَدِلَّتِهِمْ الَّتِي تَمَسَّكُوا بِهَا فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْقَصْرِ، وَسَيَأْتِي وَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهَا.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ عَلَى الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ، وَعَلَى الْمُقِيمِ أَرْبَعًا، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً " فَهَذَا الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ قَدْ حَكَى عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ فَرَضَ صَلَاةَ السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ أَتْقَى لِلَّهِ وَأَخْشَى مِنْ أَنْ يَحْكِيَ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ ذَلِكَ بِلَا بُرْهَانٍ.
وَالْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ حَدِيثُ عُمَرَ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ «صَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَسَيَأْتِي، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ السَّفَرِ مَفْرُوضَةٌ كَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ أَرْبَعًا ثُمَّ قُصِرَتْ. وَقَوْلُهُ: " عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ " تَصْرِيحٌ بِثُبُوتِ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْآتِي بِلَفْظِ: «أُمِرْنَا أَنْ نُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ.» وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ، وَالتَّمَامَ أَفْضَلُ بِحُجَجٍ: الْأُولَى مِنْهَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: ١٠١] وَنَفْيُ الْجُنَاحِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَزِيمَةِ بَلْ عَلَى الرُّخْصَةِ، وَعَلَى أَنَّ الْأَصْلَ التَّمَامُ، وَالْقَصْرُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ شَيْءٍ أَطْوَلَ مِنْهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ وَرَدَتْ فِي قَصْرِ الصِّفَةِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لَا فِي قَصْرِ الْعَدَدِ لِمَا عُلِمَ مِنْ تَقَدُّمِ شَرْعِيَّةِ قَصْرِ الْعَدَدِ. قَالَ فِي الْهَدْيِ - وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ -: وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْآيَةَ اقْتَضَتْ قَصْرًا يَتَنَاوَلُ قَصْرَ الْأَرْكَانِ بِالتَّخْفِيفِ وَقَصْرَ الْعَدَدِ بِنُقْصَانِ رَكْعَتَيْنِ، وَقُيِّدَ ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ: الضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ، وَالْخَوْفُ، فَإِذَا وُجِدَ الْأَمْرَانِ أُبِيحَ الْقَصْرَانِ، فَيُصَلُّونَ صَلَاةَ خَوْفٍ مَقْصُورًا عَدَدُهَا وَأَرْكَانُهَا وَإِنْ انْتَفَى الْأَمْرَانِ وَكَانُوا آمِنِينَ مُقِيمِينَ انْتَفَى الْقَصْرَانِ فَيُصَلُّونَ صَلَاةً تَامَّةً كَامِلَةً، وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ قَصْرُهُ وَحْدَهُ، فَإِنْ وُجِدَ الْخَوْفُ وَالْإِقَامَةُ قُصِرَتْ الْأَرْكَانُ وَاسْتُوْفِيَ الْعَدَدُ، وَهَذَا نَوْعُ قَصْرٍ وَلَيْسَ بِالْقَصْرِ الْمُطْلَقِ فِي الْآيَةِ، وَإِنْ وُجِدَ السَّفَرُ وَالْأَمْنُ قُصِرَ الْعَدَدُ وَاسْتُوْفِيَتْ الْأَرْكَانُ وَصُلِّيَتْ صَلَاةُ أَمْنٍ، وَهَذَا أَيْضًا نَوْعُ قَصْرٍ وَلَيْسَ بِالْقَصْرِ الْمُطْلَقِ، وَقَدْ تُسَمَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute