. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
مَعَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ الْعِبَادَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى مَفْرُوضَاتِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ هُوَ الذِّكْرُ الْمَأْمُورُ بِهِ، وَقَدْ فُسِّرَ بِالتَّكْبِيرِ كَمَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ. وَأَمَّا الْمَنَاسِكُ فَمُخْتَصَّةٌ بِالْحَاجِّ.
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْإِكْثَارِ فِيهَا مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَفِي الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ» وَوَقَعَ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «وَإِنَّ صِيَامَ يَوْمٍ مِنْهَا يَعْدِلُ صِيَامَ سَنَةٍ، وَالْعَمَلُ بِسَبْعِمَائِةِ ضَعْفٍ» .
وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ، وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ فِيهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ» لَكِنْ إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَكَذَا إسْنَادُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) هَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَفِيهِ: «الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ الْعَشْرِ» وَرَوَى ابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْلُومَاتِ هِيَ الَّتِي قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ، وَالْمَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَظَاهِرُهُ إدْخَالُ يَوْمِ الْعِيدِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: أَنَّ الْمَعْلُومَاتِ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ، وَرَجَّحَ الطَّحَاوِيُّ هَذَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: ٢٨] فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَيَّامَ النَّحْرِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا لَا يَمْنَعُ تَسْمِيَةَ أَيَّامِ الْعَشْرِ مَعْلُومَاتٍ، وَلَا أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: مَعْدُودَاتٍ، بَلْ تَسْمِيَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: مَعْدُودَاتٍ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: ٢٠٣] الْآيَةَ.
وَهَكَذَا قَالَ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ: إنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ هِيَ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ إجْمَاعًا. وَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَتْ مَعْدُودَاتٍ؛ لِأَنَّهَا إذَا زِيدَ عَلَيْهَا شَيْءٌ عُدَّ ذَلِكَ حَصْرًا: أَيْ فِي حُكْمِ حَصْرِ الْعَدَدِ. وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَمُقْتَضَى كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ أَنَّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: مَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، عَلَى اخْتِلَافِهِمْ: هَلْ هِيَ ثَلَاثَةٌ أَوْ يَوْمَانِ، لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ سَبَبِ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ يَقْتَضِي دُخُولَ يَوْمِ الْعِيدِ فِيهَا.
وَقَدْ حَكَى أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشَرِّقُونَ فِيهَا لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ يَقِدُّونَهَا وَيُبْرِزُونَهَا لِلشَّمْسِ. ثَانِيهِمَا: لِأَنَّهَا كُلُّهَا أَيَّامُ تَشْرِيقٍ لِصَلَاةِ يَوْمِ النَّحْرِ فَصَارَتْ تَبَعًا لَيَوْمِ النَّحْرِ. قَالَ: وَهَذَا أَعْجَبُ الْقَوْلَيْنِ إلَى أَنْ قَالَ الْحَافِظُ: وَأَظُنُّهُ أَرَادَ مَا حَكَاهُ غَيْرُهُ أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ إنَّمَا تُصَلَّى بَعْدَ أَنْ تُشْرِقَ الشَّمْسُ وَعَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ.
قَالَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا لَا تُنْحَرُ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ. وَعَنْ يَعْقُوبَ بْنِ السُّكَيْتِ قَالَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ الْجَاهِلِيَّةِ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرُ، أَيْ نَدْفَعُ لَلنَّحْرِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَأَظُنُّهُمْ أَخْرَجُوا يَوْمَ الْعِيدِ مِنْهَا لِشُهْرَتِهِ بِلَقَبٍ يَخُصُّهُ وَهُوَ الْعِيدُ، وَإِلَّا فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ تَبَعٌ لَهُ فِي التَّسْمِيَةِ كَمَا تَبَيَّنَ مِنْ كَلَامِهِمْ وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ " أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute