للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

«لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ» وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ " لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ " قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِلَى الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ أَنْ تُقْبَضَ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَّا هِبَةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَسَتَأْتِي

وَذَهَبَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَالْهَادَوِيَّةُ إلَى حِلِّ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ دُونَ الصَّدَقَةِ إلَّا إذَا حَصَلَ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ كَالْهِبَةِ لِذِي رَحِمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ مِنْ الْمَوَانِعِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّ قَوْلَهُ: " لَا يَحِلُّ " لَا يَسْتَلْزِمُ التَّحْرِيمَ، قَالَ: وَهُوَ كَقَوْلِهِ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ» وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ لَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ حَيْثُ يَحِلُّ لِغَيْرِهِ مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ التَّغْلِيظَ فِي الْكَرَاهَةِ قَالَ الطَّبَرِيُّ: يُخَصُّ مِنْ عُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ وَهَبَ بِشَرْطِ الثَّوَابِ، وَمَنْ كَانَ وَالِدًا وَالْمَوْهُوبُ لَهُ وَلَدَهُ، وَالْهِبَةُ لَمْ تُقْبَضْ وَاَلَّتِي رَدَّهَا الْمِيرَاثُ إلَى الْوَاهِبِ لِثُبُوتِ الْإِخْبَارِ بِاسْتِثْنَاءِ كُلِّ ذَلِكَ وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ كَالْغَنِيِّ يُثِيبُ الْفَقِيرَ وَنَحْوِ مَنْ يَصِلُ رَحِمَهُ فَلَا رُجُوعَ قَالَ: وَمِمَّا لَا رُجُوعَ فِيهِ مُطْلَقًا الصَّدَقَةُ يُرَادُ بِهَا ثَوَابُ الْآخِرَةِ

قَالَ فِي الْفَتْحِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الصَّدَقَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ اهـ وَقَدْ أَخْرَجَ مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرْجُو ثَوَابَهَا فَهِيَ رَدٌّ عَلَى صَاحِبِهَا مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ قَالَ الْحَافِظُ: وَالْمَحْفُوظُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى مَرْفُوعًا قِيلَ: وَهُوَ وَهْمٌ قَالَ الْحَافِظُ: صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ حَزْمٍ وَرَوَاهُ ابْنُ حَزْمٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا» وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَمْ يَرْجِعْ» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَحَادِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَمُرَةَ ضَعِيفَةٌ وَلَيْسَ مِنْهَا مَا يَصِحُّ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ وَهَبَ هِبَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا حَتَّى يُثَابَ عَلَيْهَا، فَإِنْ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ فَهُوَ كَاَلَّذِي يَقِيءُ وَيَأْكُلُ مِنْهُ»

فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كَانَتْ مُخَصِّصَةً لِعُمُومِ حَدِيثِ الْبَابِ، فَيَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ قَبْلَ الْإِثَابَةِ عَلَيْهَا وَمَفْهُومُ حَدِيثِ سَمُرَةَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لِغَيْرِ ذِي الرَّحِمِ قَوْلُهُ: (إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ لِابْنِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَحِلُّ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ مُطْلَقًا، وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالنَّاصِرِ وَالْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ تَخْرِيجًا لَهُ

وَحُكِيَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ إذَا كَانَ الِابْنُ الْمَوْهُوبُ لَهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَقَبَضَهَا، وَهَذَا التَّفْصِيلُ لَا دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ مُطْلَقًا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ الْمُقْتَرِنِ بِمُخَصِّصِهِ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ الْأَحَادِيثُ الْآتِيَةُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا الْمُصَرِّحَةُ بِأَنَّ الْوَلَدَ وَمَا مَلَكَ لِأَبِيهِ، فَلَيْسَ رُجُوعُهُ فِي الْحَقِيقَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>