. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّ الدَّعْوَى فِيهِ وَقَعَتْ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ. وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَصِحُّ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِهَا عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَّرَ الْقَسَامَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ أَوَّلَ قَسَامَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَسَامَةُ أَبِي طَالِبٍ وَهِيَ دَعْوَى عَلَى مُعَيَّنٍ كَمَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنٍ كَانَ الْوَاجِبُ فِي الْعَمْدِ الْقَوَدَ، وَفِي الْخَطَإِ الدِّيَةَ فَمَا وَجْهُ إيجَابِ الْقَسَامَةِ؟ فَيُقَالُ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ بَيِّنَةٌ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مُصَادَقَةٌ كَانَ ذَلِكَ مُجَرَّدَ لَوْثٍ، فَإِنَّ اللَّوْثَ فِي الْأَصْلِ هُوَ مَا يُثْمِرُ صِدْقَ الدَّعْوَى، وَلَهُ صُوَرٌ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْبَحْرِ: مِنْهَا: وُجُودُ الْقَتِيلِ فِي بَلَدٍ يَسْكُنُهُ مَحْصُورُونَ، فَإِنْ كَانَ يَدْخُلُهُ غَيْرُهُمْ اُشْتُرِطَ عَدَاوَةُ الْمُسْتَوْطِنِينَ لِلْقَتِيلِ كَمَا فِي قِصَّةِ أَهْلِ خَيْبَرَ. وَمِنْهَا: وُجُودُهُ فِي صَحْرَاءَ وَبِالْقُرْبِ مِنْهُ رَجُلٌ فِي يَدِهِ سِلَاحٌ مَخْضُوبٌ بِالدَّمِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرُهُ. وَمِنْهَا وُجُودُهُ بَيْنَ صَفَّيْ الْقِتَالِ، وَمِنْهَا: وُجُودُهُ مَيِّتًا بَيْنَ مُزْدَحِمِينَ فِي سُوقٍ أَوْ نَحْوِهِ.
وَمِنْهَا: كَوْنُ الشُّهَّادِ عَلَى الْقَتْلِ نِسَاءً أَوْ صِبْيَانًا لَا يُقَدَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْبَحْرِ. وَمِنْ صُوَرِ اللَّوْثِ أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ فِي حَيَاتِهِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ أَوْ هُوَ قَتَلَنِي أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ الْقَسَامَةُ بِذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ. وَادَّعَى مَالِكٌ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَاعْتَرَضَ هَذِهِ الدَّعْوَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ غَيْرُهُمَا. وَمِنْهَا: إذَا كَانَ الشُّهُودُ غَيْرَ عُدُولٍ أَوْ كَانَ الشَّاهِدُ وَاحِدًا فَإِنَّهَا تَثْبُتُ الْقَسَامَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ، وَلَمْ يَحْكِ صَاحِبُ الْبَحْرِ اشْتِرَاطَ اللَّوَثِ إلَّا عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَحُكِيَ عَنْ الْقَاسِمِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ. وَرُدَّ بِأَنَّ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ غَفْلَةٌ عَنْ أَنَّ الِاخْتِصَاصَ بِمَوْضِعِ الْجِنَايَةِ نَوْعٌ مِنْ اللَّوَثِ وَالْقَسَامَةُ لَا تَثْبُتُ بِدُونِهِ.
قَوْلُهُ: (فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ) أَيْ يُخَلِّصُونَكُمْ عَنْ الْأَيْمَانِ بِأَنْ يَحْلِفُوا، فَإِذَا حَلَفُوا انْتَهَتْ الْخُصُومَةُ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ وَخَلَصْتُمْ أَنْتُمْ مِنْ الْأَيْمَانِ. وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي فِيهَا تَقْدِيمُ طَلَبِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْيَمِينِ حَيْثُ قَالَ: " يَأْتُونَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ، قَالُوا: مَا لَنَا بَيِّنَةٌ " بِأَنْ يُقَالَ: إنَّ الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى مُشْتَمِلَةٌ عَلَى زِيَادَةٍ وَهِيَ طَلَبُ الْبَيِّنَةِ أَوَّلًا ثُمَّ الْيَمِينُ ثَانِيًا، وَلَا وَجْهَ لِمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ كَوْنِ طَلَبِ الْبَيِّنَةِ وَهْمًا فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ أَنَّ خَيْبَرَ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ بِهَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ الْحَافِظُ: إنْ سَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْكُنْ مَعَ الْيَهُودِ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي خَيْبَرَ فَقَدْ ثَبَتَ فِي نَفْسِ الْقِصَّةِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَرَجُوا يَمْتَارُونَ تَمْرًا، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ طَائِفَةٌ أُخْرَى خَرَجُوا لِمِثْلِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ وَجَدْنَا لِطَلَبِ الْبَيِّنَةِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ شَاهِدًا، وَذُكِرَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَحَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يُبْطَلَ دَمُهُ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute