للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٠٣٦ - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إلَّا فِي الْقَسَامَةِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ) .

ــ

[نيل الأوطار]

أَنْ يُطَلَّ دَمُهُ " بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ: أَيْ يُهْدَرُ قَوْلُهُ: (فَوَدَاهُ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ) فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى " فَعَقَلَهُ " أَيْ أَعْطَى دِيَتَهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى عَقْلَهُ " وَالْعَقْلُ: الدِّيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ: " مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ " غَلَطٌ مِنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ لِتَصْرِيحِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِقَوْلِهِ: " فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ " وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَاهَا مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ بِمَالٍ دَفَعَهُ مِنْ عِنْدِهِ، أَوْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " مِنْ عِنْدِهِ " أَيْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ صَدَقَةً بِاعْتِبَارِ الِانْتِفَاعِ بِهِ مَجَّانًا. وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ.

وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضُ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ جَوَازَ صَرْفِ الزَّكَاةِ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضُ: وَذَهَبَ مَنْ قَالَ بِالدِّيَةِ إلَى تَقْدِيمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فِي الْيَمِينِ إلَّا الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ فَقَالَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ يَبْدَأُ بِالْمُدَّعِينَ وَرَدَّهَا إنْ أَبَوْا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، وَقَالَ بِعَكْسِهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُسْتَحْلَفُ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ خَمْسُونَ رَجُلًا خَمْسِينَ يَمِينًا مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا مَنْ قَتَلَهُ، فَإِنْ حَلَفُوا بَرِئُوا، وَإِنْ نَقَصَتْ قَسَامَتُهُمْ عَنْ عَدَدٍ أَوْ نُكُولٍ حَلَفَ الْمُدَّعُونَ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ وَاسْتَحَقُّوا دَمَهُ، فَإِنْ نَقَصَتْ قَسَامَتُهُمْ عَادَتْ دِيَةً، وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: يَبْدَأُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْأَيْمَانِ، فَإِنْ حَلَفُوا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: إذَا حَلَفُوا وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ.

قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْأَوْلِيَاءِ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهَا شُبْهَةٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ الْحُكْمُ بِهَا. وَاخْتَلَفُوا فِي تَصْوِيرِ الشُّبْهَةِ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ ثُمَّ ذَكَرَهَا وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَهِيَ مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي بَيَانِ صُوَرِ اللَّوْثِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ السَّابِعَةَ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ وَهِيَ أَنْ يُوجَدَ الْقَتِيلُ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ قَبِيلَةٍ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ عِنْدَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَتْبَاعِهِمْ إلَّا هَذِهِ الصُّورَةُ وَلَا يَجِبُ فِيمَا سِوَاهَا. وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ لَكَ أَنَّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ اللَّوْثِ مُطْلَقًا بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى تَفْسِيرِهِ بِمَا سَلَفَ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَمِنْ شُرُوطِ الْقَسَامَةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ إلَّا الْحَنَفِيَّةَ أَنْ يُوجَدَ بِالْقَتِيلِ أَثَرٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَحْكَامَ الْقَسَامَةِ مُضْطَرِبَةٌ غَايَةَ الِاضْطِرَابِ، وَالْأَدِلَّةُ فِيهَا وَارِدَةٌ عَلَى أَنْحَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَمَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِي تَفَاصِيلِهَا مُتَنَوِّعَةٌ إلَى أَنْوَاعٍ، وَمُتَشَعِّبَةٌ إلَى شُعَبٍ، فَمَنْ رَامَ الْإِحَاطَةَ بِهَا فَعَلَيْهِ بِكُتُبِ الْخِلَافِ وَمُطَوَّلَاتِ شُرُوحِ الْحَدِيثِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>