للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

الْفَتْحِ عَنْ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُمْ صُلِبُوا، قَالَ: وَالرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ تَرُدُّهُ، وَلَكِنْ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَنَسٍ: «فَصَلَبَ اثْنَيْنِ وَقَطَعَ اثْنَيْنِ وَسَمَلَ اثْنَيْنِ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ سِتَّةٌ فَقَطْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ سَبْعَةٌ.

وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ عَنْ أَنَسٍ: " أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً ". قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرُّعَاةِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ اقْتِصَاصًا لِمَا فَعَلُوهُ بِالرُّعَاةِ وَإِلَى ذَلِكَ مَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ دَقِيقٍ بِأَنَّ الْمُثْلَةَ وَقَعَتْ فِي حَقِّهِمْ مِنْ جِهَاتٍ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إلَّا السَّمَلُ فَيَحْتَاجُ إلَى ثُبُوتِ الْبَقِيَّةِ، وَقَدْ نَقَلَ أَهْلُ الْمَغَازِي أَنَّهُمْ مَثَّلُوا بِالرَّاعِي، وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ.

قَالَ ابْنُ شَاهِينَ عَقِبَ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ: هَذَا الْحَدِيثُ يَنْسَخُ كُلَّ مُثْلَةٍ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِأَنَّ ادِّعَاءَ النَّسْخِ يَحْتَاجُ إلَى تَارِيخٍ. وَيُجَابُ عَنْ هَذَا التَّعَقُّبِ بِحَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّ مُعَاتَبَةَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ التَّعْذِيبِ بِالنَّارِ بَعْدَ الْإِذْنِ فِيهِ. وَقِصَّةُ الْعُرَنِيِّينَ قَبْلَ إسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ حَضَرَ الْإِذْنُ ثُمَّ النَّهْيُ عَنْهُ. وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا فِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ قِصَّتَهُمْ كَانَتْ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ، وَأَصْرَحُ مِنْ الْجَمِيعِ مَا فِي الْبَابِ عَنْ قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ نَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ» ، وَإِلَى هَذَا مَالَ الْبُخَارِيُّ، وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَاسْتَشْكَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَدَمَ سَقْيِهِمْ الْمَاءَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ فَاسْتَسْقَى لَا يُمْنَعُ، وَأَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا وَقَعَ مِنْهُ نَهْيٌ عَنْ سَقْيِهِمْ. اهـ.

وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَسَكَتَ، وَالسُّكُوتُ كَافٍ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ. وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الْمُحَارِبَ الْمُرْتَدَّ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي سَقْيِ الْمَاءِ وَلَا غَيْرِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ مَعَهُ مَاءً لِطَهَارَتِهِ فَقَطْ لَا يَسْقِي الْمُرْتَدَّ وَيَتَيَمَّمُ بَلْ يَسْتَعْمِلُهُ وَلَوْ مَاتَ الْمُرْتَدُّ عَطَشًا. وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: إنَّمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِمْ الْمَوْتَ بِذَلِكَ وَقِيلَ: إنَّ الْحِكْمَةَ فِي تَعْطِيشِهِمْ لِكَوْنِهِمْ كَفَرُوا نِعْمَةَ سَقْيِ أَلْبَانِ الْإِبِلِ الَّتِي حَصَلَ لَهُمْ بِهَا الشِّفَاءُ مِنْ الْجُوعِ وَالْوَخِم. قَوْلُهُ: (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ) أَيْ الْحُكْمَ فِيهِمْ هُوَ الْمَذْكُورُ. وَقَدْ حَكَى فِي الْبَحْرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ وَأَبِي طَالِبٍ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْآيَةَ، أَعْنِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: ٣٣] نَزَلَتْ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ الْمُحَارِبِينَ.

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْهَادِي إنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْعُرَنِيِّينَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي الزِّنَادِ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ. وَحَكَى الْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَأَبُو طَالِبٍ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ. وَرُدَّ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْعَلُ بِالْمُشْرِكِينَ كَذَلِكَ، وَيُدْفَعُ هَذَا الرَّدُّ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ دَعَا لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعِلْمِ التَّأْوِيلِ. وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعِتْرَةِ وَالْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ الْمُحَارِبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>