للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ قِتَالِ الْخَوَارِجِ وَأَهْلِ الْبَغْيِ

ــ

[نيل الأوطار]

هُوَ مَنْ أَخَافَ السَّبِيلَ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ لِأَخْذِ الْمَالِ، وَسَوَاءٌ أَخَافَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الذِّمِّيِّينَ. قَالَ الْهَادِي وَأَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ فِي الْمِصْرِ أَوْ الْقَرْيَةِ لَيْسَ مُحَارِبًا لِلُحُوقِ الْغَوْثِ بَلْ مُخْتَلِسًا أَوْ مُنْتَهِبًا.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ: إذَا كَانُوا عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمِصْرِ أَوْ الْقَرْيَةِ فَمُحَارِبُونَ لَا دُونَ ذَلِكَ إذْ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ.

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ مَالِكٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمِصْرِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْآيَةَ لَمْ تُفَصِّلْ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالنَّاصِرُ وَالْإِمَامُ يَحْيَى، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ أَحْدَثَ الْمُحَارِبُ غَيْرَ الْإِخَافَةِ عَزَّرَهُ الْإِمَامُ فَقَطْ، قَالَ أَبُو طَالِبٍ وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: وَلَا نَفْيَ مَعَ التَّعْزِيرِ، وَأَثْبَتَهُ الْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ، فَإِنْ وَقَعَ مِنْهُ الْقَتْلُ فَقَطْ فَذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ فَقَطْ.

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ بِمُحَارَبٍ إنْ قَتَلَ بِمُثْقَلٍ، فَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالْهَادِي وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَأَبُو طَالِبٍ إلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ وَيُصْلَبُ. وَلَا قَطْعَ لِدُخُولِهِ فِي الْقَتْلِ. قَالَ النَّاصِرُ وَأَبُو الْعَبَّاسِ: بَلْ يُخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَ أَنْ يَصْلُبَ أَوْ يَقْتُلَ، أَوْ يَقْتُلَ ثُمَّ يَصْلُبَ، أَوْ يَقْطَعَ ثُمَّ يَقْتُلَ، أَوْ يَقْطَعَ وَيَقْتُلَ وَيَصْلُبَ، لِأَنَّ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا شَهَرُوا السِّلَاحَ وَأَخَافُوا لَزِمَهُمْ مَا فِي الْآيَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَمُجَاهِدٌ: إذَا أَخَافُوا خُيِّرَ الْإِمَامُ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَ وَيَصْلُبَ، أَوْ يَقْطَعَ الرِّجْلَ وَالْيَدَ فَقَطْ، أَوْ فَقَطْ لِأَجْلِ التَّخْيِيرِ. وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: وَحَصَّلَهُ صَاحِبُ الْوَافِي لِلْهَادِي أَنَّهُمْ إذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَقَتَلُوا، قُطِعُوا لِلْمَالِ ثُمَّ قُتِلُوا لِلْقَتْلِ ثُمَّ صُلِبُوا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالْقَتْلِ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْهَادَوِيَّةُ: فَإِنْ قَتَلَ وَجَرَحَ قُتِلَ فَقَطْ لِدُخُولِ الْجَرْحِ فِي الْقَتْلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَلْ يُجْرَحُ ثُمَّ يُقْتَلُ إذْ هُمَا جِنَايَتَانِ، وَالنَّفْيُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ هُوَ طَرْدُ سَنَةٍ عِنْدَ الْهَادِي وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ وَأَبِي طَالِبٍ. وَقَالَ النَّاصِرُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: بَلْ الْحَبْسُ فَقَطْ إذْ الْقَصْدُ دَفْعُ أَذَاهُ. وَإِذَا كَانَ الْمُحَارِبُونَ جَمَاعَةً وَاخْتَلَفَتْ جِنَايَاتُهُمْ فَذَهَبَ الْعِتْرَةُ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ يُحَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ جِنَايَتِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: بَلْ يَسْتَوُونَ إذْ الْمُعِينُ كَالْقَاتِلِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُقَدَّمُ الصَّلْبُ عَلَى الْقَتْلِ أَوْ الْعَكْسُ؟ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالنَّاصِرُ وَالْإِمَامُ يَحْيَى إلَى أَنْ يُقَدَّمَ الصَّلْبُ عَلَى الْقَتْلِ، إذْ الْمَعْنَى يَقْتُلُونَ بِالسَّيْفِ أَوْ بِالصَّلْبِ.

وَقَالَ الْهَادِي وَأَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهُ لَا صَلْبَ قَبْلَ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ، وَجَعَلَ الْهَادِي أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بِتَقَدُّمِ الْقَتْلِ عَلَى الصَّلْبِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: يُصْلَبُ قَبْلَ الْقَتْلِ ثَلَاثًا ثُمَّ يُنْزَلُ فَيُقْتَلُ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا: يُصْلَبُ حَتَّى يَمُوتَ جُوعًا وَعَطَشًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْكَرْخِيُّ: يُصْلَبُ قَبْلَ الْقَتْلِ وَيُطْعَنُ فِي لَبَّتِهِ وَتَحْتَ ثَدْيِهِ الْأَيْسَرِ وَيُخَضْخَضُ حَتَّى يَمُوتَ. وَرَوَى الرَّازِيّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلصَّلْبِ بَعْدَ الْقَتْلِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الصَّلْبِ، فَقَالَ الْهَادِي: حَتَّى تَنْتَثِرَ عِظَامُهُ، وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>