. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
جِدًّا. وَمِنْ أَجْوِبَتِهِمْ أَنَّ قَوْلَهُ: " لَمْ أَنْسَ " رَاجِعٌ إلَى السَّلَامِ: أَيْ سَلَّمْت قَصْدًا بَانِيًا عَلَى مَا فِي اعْتِقَادِي أَنِّي صَلَيْتُ أَرْبَعًا.
قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا جَيِّدٌ، وَكَأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ فَهِمَ الْعُمُومَ فَقَالَ: " بَلَى قَدْ نَسِيت " وَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ مَحَلُّهُ عِلْمُ الْكَلَامِ وَالْأُصُولِ. وَقَدْ تَكَلَّمَ عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ بِمَا يَشْفِي فَمَنْ أَرَادَ الْبَسْطَ فَلْيَرْجِعْ إلَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ وَاحِدٌ، وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَلَهُ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ النِّسْيَانُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ لَا تَسْتَلْزِمُ وُقُوعَ السَّهْوِ قَوْلُهُ: (فَصَلَّى مَا تَرَكَ) فِيهِ جَوَازُ الْبِنَاءِ عَلَى الصَّلَاةِ خَرَجَ مِنْهَا الْمُصَلِّي قَبْلَ هَا نَاسِيًا، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ مِنْ غَيْر فَرْق بَيْن مَنْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ: إنَّمَا يَبْنِي مَنْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ، لِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ. وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْآتِي يُبْطِلُ مَا زَعَمَهُ مَنْ قَصْرِ الْجَوَازِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْصُر الْجَوَازَ عَلَى إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ وَلَا قَائِلَ بِهِ. وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَى الصَّلَاةِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ.
وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَتْ قَبْلَ نَسْخِ الْكَلَامِ اعْتِمَادًا مِنْهُمْ عَلَى مَا سَلَفَ عَنْ الزُّهْرِيّ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ وَهِمَ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَى الْبِنَاءَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِسْلَامُهُ مُتَأَخِّرٌ. وَرَوَاهُ أَيْضًا مُعَاوِيَةُ بْنُ خَدِيجٍ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ، وَإِسْلَامُهُ قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَهْرَيْنِ، وَمَعَ هَذَا فَتَحْرِيمُ الْكَلَامِ كَانَ بِمَكَّةَ، وَقَدْ حَقَّقْنَا ذَلِكَ فِي بَابِ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ.
وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّاهِيَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَكَذَا كَلَامُ مَنْ ظَنَّ التَّمَامَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ أَيْضًا.
وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ إذَا وَقَعَتْ سَهْوًا أَوْ مَعَ ظَنِّ التَّمَامِ لَا تُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ: (ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إنَّ سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْوَالٍ كَمَا ذَكَر ذَلِكَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: الْأَوَّلُ: أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ كُلُّهُ مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ خِلَافَ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي.
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَلَى خِلَافِ فِي ذَلِكَ عَنْهُمْ. وَمِنْ التَّابِعِينَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيِّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَالسَّائِبُ الْقَارِي. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ خِلَافَ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ.
وَحَكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلًا لَهُ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَهْلِ