فالذي حصّلته من كلام شيخي وكلام الصيدلاني ثلاثة أوجه:
أحدها - أن الفرع لا يشهد إذا طرأ الجنون أو العمى فإنهما مانعان يتوقع زوالهما، بخلاف الموت.
والثاني -وهو المذهب- أن الفرع يشهد، كما لو مات الأصل، وإنما المحذور من الطوارىء اقتضاؤها رَيْباً منعطِفاً على حالة التحمل، وأما توقع الزوال في الطوارىء فلا خير فيه؛ فإن الفرع يشهد لغيبة الأصل ومرضه وإن كانا يزولان.
والوجه الثالث - أن الفرع لا يشهد إذا جُنّ الأصل؛ لأن شهادته سقطت بالكلية، وليس سقوطها بالجنون كانتهائها بالموت، فكأن الفرع يخلف الميت، كما يخلف الوارث الموروث، وفَرْقٌ في قاعدة الفقه بين الانتهاء وبين الانقطاع.
فأما إذا عمي الأصل، فيشهد الفرع؛ فإن العمى لم يخرجه عن كونه من أهل الشهادة على الجملة وإن لم يكن من أهل إقامة هذه الشهادة. وقد ذكر الصيدلاني هذا المعنى، ودلّ ذكره له على الفرق بين العمى والجنون. وتعلقه بهذا المعنى عُمْدَتي في إجراء هذه الوجوه.
والأصح الذي يجب القطع به، ولا يحتمل قانون المذهب غيرَه، أن طريان العمى والجنون لا يقطعان شهادة الفرع كطريان الموت، وما عدا ذلك يُخبّط المذهب ويشوّش الأصل.
فأما إذا أغمي على الأصل - وهو حاضر، فالفرع لا يشهد؛ فإن الإغماء إلى الزوال، فينتظر زواله. وإن كان غائباً، فأُخْبرنا بأنه أغمي عليه، فلا أثر له بحال، وهو بمثابة مرض يعرض ويزول.
التفريع:
١٢١٦١ - إن حكمنا بأن شهادة الفرع تنقطع بطريان الجنون والعمى، فلو أبصر الأصلُ بعد العمى، وأفاق عن الجنون، فالمذهب على هذا الوجه أنه لا بد من إعادة تحمل الشهادة، وكأن التحملَ الأولَ لم يكن؛ فإنا قضينا بالانقطاع، فصار هذا كما لو جُنَّ الموكِّل، وجرى الحكم بانعزال الوكيل، فإذا أفاق، لم تعد الوكالة.