وغرض الفصل ما ذكرناه أولاً من أن البينة لا تقتضي إسناد الملك إلى ما تقدم من الأزمان انبساطاً عليها، وإنما تقتضي تقدماً من طريق التقدير، كما نبهنا عليه.
١٢٢٧٧ - والمراد بعد ذكر ذلك ذكرُ مشكلةٍ عظيمةِ الوقع مجانبةٍ لمسلك القياس، وهي أن من اشترى عيناً من الأعيان -داراً أو غيرَها- وتمادى الزمن، ثم جاء مدّعٍ، وادعى ملكَ تلك العين في يد المشتري، وأقام البينةَ، وانتزع العين من يده، قال الأصحاب: يرجع المشتري بالثمن على البائع.
قال القاضي: هذا في غاية الإشكال؛ من جهة أن البينة القائمة على الملك لا تتضمن استناد الملك إلى زمان يوصف ويشار إليه، ولا تقتضي إلا ملك الحال، وتقديراً في التقدم كما ذكرناه، فكيف يملك المشتري الرجوع على البائع مع إمكان ثبوت الملك للمدعي تلقياً من هذا المشتري؟ ثم قال القاضي: يحتمل أن نقول: لا يرجع المشتري بالثمن على البائع -والحالة كما وصفناها- بناء على ما قررناه من أن البينة لا تقتضي استناد الملك إلى زمان متقدم مشارٍ إليه.
فعلى هذا يختص رجوع المشتري على البائع بما إذا أسندت البينةُ (١) الاستحقاق إلى حالة البيع؛ فإذ ذاك نَتبين أن البيع صادف مستحَقّاً. وجريان هذا ليس بالنادر في البينات التي يثبت بها الاستحقاق. وهذا الذي ذكره القاضي لا دفع له من طريق القياس، لكنه قال: أجمع أصحابنا من عند آخرهم على خلاف ما قلتُه.
ثم الممكن في توجيه ما ذكره الأصحاب أن يقال: إذا لم تتجدد حالة من جهة المشتري، والبينة العادلة مصدَّقةٌ في الشرع، فإذا تحقق أن المشتري لم يزُل ملكُه المستفاد بالشراء إلى هذا المدعي، والبينة لا يظن بها إلا الصدق، ولا محمل لصدقها إلا استناد الاستحقاق إلى ما تقدم، فلهذا ثبت له الرجوع، والذي يُعضِّد ذلك أن الإنسان يطلب دوامَ الملك بالشراء، فإذا لم يدم له، كان ذلك محمولاً على خلل حالة البيع، فلا يبقى بعد هذا، إلا أن البائع يقول للمشتري: لعلك أزلت