للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم الذي ذهب إليه الأصحاب أن المحكوم عليه بالعتق صاحب اليد، فإذا نفذ الحكم عليه بالعتق في نصف العبد، وكان موسراً، لم نقض بسريان العتق إلى النصف الآخر المحكوم به لمدعي الشراء؛ لأن هذا عتق ثابت قهراً، وإنما يسري العتق إذا اقترن باختيار المعتِق.

وذكر العراقيون في ذلك قولين: أحدهما - ما ذكرناه. والثاني - أن العتق يسري إذا كان صاحب اليد موسراً، فيكمل العتق في العبد، ويغرم صاحب اليد لمدعي الشراء قيمةَ النصف. ووجه هذا القول أن البينة كما (١) شهدت بإعتاق هذا العبد، شهدت باختياره في الإعتاق؛ فيجب الحكم عليه بموجب الاختيار، وهذا متجه، والمسألة محتملة.

ثم اعترض المزني وقال يجب تقديم بينة العتق؛ لأن العبد ادعى العتقَ، وهو في يد نفسه، فكان مع من يدعي شراءه بمثابة متداعيين وأحدهما صاحب اليد، فالعبد إذاً كالداخل ومدعي الشراء كالخارج.

وهذا الذي ذكره مزيف؛ فإن العبد في يد مولاه، ولا يد له على نفسه، وإنما تثبت له اليد على نفسه إذا عَتَق، فكأنه في التحقيق يدعي يداً والخصم ينكره.

١٢٢٨٥ - وكل ما ذكرناه فيه إذا كانت البينتان مؤرختين على التضييق في التعيين، فأما إذا كانتا مطلقتين، فقد أجراهما الأصحاب على التهاتر والاستعمال؛ فإن العتق ينافي نفوذُه نفوذَ الشراء، والشراء لو ثبت - نافى نفوذَ العتق، ولو صور مصوّرٌ تقدم الشراء وعَوْد الملك، ثم توجيه العتق، فهذا تكلف لا فائدة فيه؛ فإن من يدعي الشراء يدّعي دوام ملكه، وما ذكرناه من التصوير ينافي ذلك، وهذا بيّن.

ومن أصحابنا من قال: إذا أردنا إجراء قول التهاتر، فيجب التعرض لاشتمال البينتين على تاريخ واحد، كما ذكرنا ذلك في النظائر السابقة. وإذا نبهنا على مثل ذلك، كفى، وقد تكرر مثله في نظائره.


(١) كما: بمعنى عندما.