للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المولى وجهان، فإن قلنا: الأصل الحط، لم يستحق؛ فإنه لا نجم على المكاتب كتابة فاسدة، حتى يجب حطُّ شيء. فإذا لم يثبت الأصل، لم يثبت [البدل] (١)، وإن قلنا: الأصل الإعطاء والبذل، فلا يمتنع إيجاب شيء على المولى تشبيهاً للكتابة الفاسدة بالكتابة الصحيحة؛ فإنها شابهتها في معظم المقاصد، ثم إذا أوجبنا إعطاء شيء ومن موجب الكتابة الفاسدة استحقاق السيد قيمةَ الرقبة، فلو حط من قيمة الرقبة، كفى ذلك عن جهة الإيتاء؛ فإنا وإن جعلنا الأصل الإعطاء، فالإبراء يحل محله، وهذا إبراء عما وجب بسبب الكتابة الفاسدة.

وإذا أعتق الرجل عبده على مال أو باعه من نفسه -كما سنفصل سائر عقود العتاقة من بعد، إن شاء الله- فالذي ذهب إليه معظم الأصحاب أنا لا نوجب الإيتاء في غير الكتابة، وإنما ظهر تردد الأصحاب في إلحاق الكتابة الفاسدة بالصحيحة، فأما ما عداها من عقود العتاقة، فلا يجب الإيتاء فيها.

وحكى شيخي عن بعض الأصحاب المصير إلى وجوب الإيتاء في كل عقد عَتاقة فيه عوض، ولا خلاف أن من أعتق عبده من غير عوض لم يلتزم شيئاً، وإن كنا قد نوجب المتعة لكل مطلقة على قول بعيد، فالعتق المنجز لا ينزل منزلة الطلاق.

١٢٥٣٢ - ثم إنا بعد هذا نتكلم في فصول: منها - وقتُ وجوب الإيتاء، ومنها - الكلام في مقداره، ومنها - الكلام في جنسه.

فأما القول في وقت الوجوب، فالذي ظهر لنا من كلام الأصحاب، فيه مسلكان: أحدهما - أن الإيتاء يجب لحصول (٢) العتق، ولكنا نستحب تقديمه عليه حتى يستعين المكاتَب به، ووجه ذلك أن المكاتب إذا عَتَق، فهو بمثابة الزوج (٣) تُطَلَّق. وما يؤتيه المولى بُلْغةٌ يضطرب فيها العتيق إلى أن يكتسب مزيداً؛ فإن الغالب أنه يستفرغ ما في يده في النجوم.


(١) في الأصل: " البذل ".
(٢) أي لوقت حصول العتق.
(٣) كذا: (الزوج) بدون علامة التأنيث، وهي اللغة الفصحى التي جاء بها القرآن، ولكن الفقهاء جَرَوْا على إثبات علامة التأنيث في كتابي النكاح والفرائض خاصة منعاً للبس.